لا ينفك برنارد هنري ليفي، عرّاب حروب ما بعد الفوضى التّي حملت عنوان “الرّبيع العربي”، على إثارة نعرات العنصرية بلبوس الفلسفة و الثّقافة، من خلال نشره، مؤخّرا، كتاب يحمل عنوان “عزلة إسرائيل” (Solitude d’Israël) قام المفكّر الفرنسي باسكال بونيفاس، في محتوى له على منصّات التّواصل، و هو كتاب تضمّن، كما هي عادة ليفي، التّبرير لكلّ ما تقوم به دولة الكيان في غزّة و هي فرصة، أيضا، ليعود، مرّة أخرى إلى الأضواء، بعد فشل كبير جرّاء محاولاته لاستمالة تدخُّل أوروبي أو أطلسي في حرب أوكرانيا و هي عودة، من ناحية ثالثة، كما وصفها بونيفاس بالاحتفالية الهوليودية، تترافق مع إبراز لا مثيل له من قبل وسائل الإعلام الفرنسية للكتاب، لصاحبه و الاستمرار للتّبرير للانحياز الفرنسي للسّردية الصهيونية بشأن جرائم الإبادة في غزّة.
بداية، يقول بونيفاس، أنّ فرصة نجاح كتاب هنري ليفي، هذه المرّة، مضمونة لأنّه يأتي في وقت الحاجة الملّحة لتبرير ما يقوم به الكيان في غزّة و التّرويج لسردية الدّفاع عن النّفس بل و هناك إبراز لمنظومة الكذب الدّعائية التّي بني عليها الكيان سرديته منذ 07 أكتوبر الماضي مع عمليّات القسّام في غلاف غزّة و ما تلا ذلك من ردّ وحشي من قبل الكيان يمكن أن ترقى عملياته إلى مصاف جرائم الحرب و جرائم ضدّ الإنسانية وفق تصنيف و وصف منظمّات حقوقيــــــــّـــــــة و مؤسّسات دوليّة كبيرة على غرار محكمة الجنايات الدُّولية أو محكمة العدل الدُّولية.
إنّها حرب الخير ضد الشّر، هكذا يقول هنري ليفي في كتابه، وفق مضمون حديث بونيفاس، في محاولة لتبرير عمليات الإبادة و في تناقض تامّ مع أرقام الضحايا التّي يكذّبها هو و كل من ينحاز للسّردية الصُّهيونية ذلك أن الهدف من وراء نشر الكتاب و الانتصار لتلك السّردية هي محاولة طمأنة المدافعين عن الكيان أنّهم لا يقترفون جريمة ما، هم أيضا، كونهم يدافعون عن الخير ضدّ الإرهاب الذّي تكون القسّام قامت به في عمليّاتها في 07 أكتوبر الماضي و التّي، للأسف، حتى بونيفاس، في حديثه، يصدّقها قائلا بأنّ ما وقع، يومها، من قتل للأطفال و اعتداءات جنسية، هي جرائم لكن مع ملاحظته أنّ ذلك لم يأتي من فراغ، على عكس ما تتحدّث به سرديّة الكيان و المنافحون عنه، حيث أنّ القسّام ، وفق رأيه، قام بذلك ردّا على الاستيطان، الحصار و جرائم الجيش الصُّهيوني التّي لم تتوقّف منذ عقود.
يعلّق، بونيفاس، على ما وصل إليه من مضمون الكتاب و الآراء التّي ما فتئ هنري ليفي يعرب عنها في وسائل الإعلام، بأنّ ما يقوم به هو محاولة للتّرجيح بين جزئي معادلة لا يستوي طرفاها و هي معادلة البحث عن المتسبّب في الإرهاب، وصف المقاومة في الغرب، هل هو الاستيطان أم أنّ الإرهاب هو المولّد لاستمرار الاحتلال و التّنكيل بالشعب الفلسطيني، مع الإشارة إلى أنّ تلك المعادلة هي جزء هام في منظومة التّبرير للسّردية الصُّهيونية إذ أنّ نفي صفة المقاومة على ما قامت بع مجموعات القسّام يستدعي تحقيق هدفين الأوّل منهما هو إلغاء الرّابط بين الاستيطان و المقاومة بوصمها بالإرهاب ثمّ، تبعا لذلك، يكون لكلّ ما يقوم به الكيان الّتبرير بأنّه دفاع شرعي عن النّفس و بأنّ الكيان هو قلعة الغرب المتقدّمة للدّفاع عن الخير و الحضارة الغربية ضدّ الإرهابيين و هي إستراتيجيّة دعائية ترتكز على تدليس الحقائق و إلباس الباطل لبوس الحقّ و بخاصّة أنّ ذلك يتمُّ في قنوات تلفزيونية غربيّة و من خلال كتابات و لقاءات مع مثقّفين مرموقين على غرار برنارد هنري ليفي.
يصل بونيفاس إلى سرد حجج تدحض سردية الكيان و ادّعاءات برنارد هنري ليفي المتّهمة لكلّ من روسيا، إيران، حزب الله و حماس و من ورائهم الصّين بأنّهم يمثّلون قلعة الشّر، ليقول، ردّا على تلك المزاعم، بأنّ من قدّم ملفّا ضد الكيان أمام محكمة العدل الدُّولية هي دولة جنوب إفريقيا التّي تحرّرت من الميز العنصري الذّي يُتّهم به الكيان في حربه ضدّ الفلسطينيين و بأنّ المّتهم للكيان بأنّه اقترف جرائم حرب و جرائم إبادة جماعية هو لولا دا سيلفا الرّئيس البرازيلـــــــــــــــــــــي و ليس المجموعة التّي حاول إبرازها بأنّها منظومة الشّر، بل يقول بونيفاس بأنّ مسعى هنري ليفي هو إظهار أنّ الجنوب الشامل (Global South)، الاسم الجديد للعالم الثّالث و لكلّ ما هو ليس غربي، بأنّه منظومة دكتاتوريات, بمضمون اسلاماوي إرهابي و ذلك لاتّفاق دول هذا الفضاء على انتقاد الكيان الصُّهيوني في حربه في غزّة و رفضه للإبادة التّي يقترفها الجيش الصُّهيوني هناك مع ملاحظة أنّ هذه السّردية المضادّة للدّعاية الغربية و الصُّهيونية بدأت تلقى آذانا صاغية و وجدت لها حيّزا لرفع صوتها أمام المؤسّسات الدُّولية بل وصلت إلى أروقة المحاكم إضافة إلى انطلاقة حملة حقوقية و جمعوية، في الغرب نفسه، تعبيرا على الرّفض الكامل لما يتم من إبادة و جرائم في غزّة على أيدي الكيـــــــــــــــــــــــــــــان و جيشه بل و ضدّ المساندين الغربيين للكيان.
يقع برنارد هنري ليفي في تناقضات كبيرة، وفق بونيفاس، في أنّه ناصر قضايا الشّيشان في حربهم ضدّ روسيا كما يناصر المدنيين الأوكرانيين المتعرّضين لهجمات الرّوس، بل يحذّر ليفي في أنّ الإرهاب في الشّيشان هو نتيجة للتّعرُّض للمدنيين في حين أنّ الموقف هو نفسه في فلسطين مع فارق، لا يتحدّث عنه حتّى بونيفاس، أنّ ما يجري في غزّة هو مقاومة و أنّ ما تقوم به عصابات الكيان هي إبادة و جرائم حقيقية ضدّ الإنسانية في خرق تامّ للمواثيق الدُّوليــــــــــــــــــــــــــــــــة و للمعاهدات الإنسانية التّي تمّ إقرارها، للمفارقة، بعد تعرّض اليهود، أنفسهم، للإبادة، على أيدي النّازية، في الحرب العالميّة الثّانية.
يصف بونيفاس إستراتيجية الدّعاية التّي ينافح عنها برنارد هنري ليفي بأنّها ازدواجية معايير أو الكيل بمكياليـــــــــــن و هو وصف لطالما ندّد به الشُّرفاء من الغربيين، أنفسهم، و منهم باسكال بونيفاس، على بلاتوهات القنوات الإعلاميــــــــــــــــــة و في كتاباتهم ذلك أنّ الموقف، على مستوى حرّية التّعبير، أنّها مكفولة، مطلقا، للحديث عن كلّ القضايا إلاّ انتقاد الكيان الصُّهيوني أو التّعرُّض لسياسييه مع تضمُّن تلك الدّعاية وسم كلّ المنتقدين بتهمة المعاداة للسّامية بل و محاولة استدعاء مستمرّة للبكائيات الصُّهيونية التّاريخية لبناء سرديّة الضّحية الدّائمة و إبراز جانب الخير و قلعة الدّفاع عن الغرب تبريرا لكلّ ما تقوم عصابات الكيان و منعا لأيّ صوت يرتفع للتّنديد بجرائم الإبادة و القتل الوحشي للنّساء و الأطفال في فلسطين و في غزّة.
تنتهي الانتقادات لبرنارد هنري ليفي، في محتوى باسكال بونيفاس، إلى الحديث عن خلفية كلّ ما يجـــــــري، الآن، و هو محاولة الحديث عن استمرار لسرديّة صدام الحضارات و لكن، هذه المرّة، في شكل حرب الدّيمقراطية ضدّ الاستبداد و بأنّ الكيان الصُّهيوني و الغرب يمثّلان قلعة الخير، التّقدُّم و الدّيمقراطية و بأنّ الجنوب الشّامل و جزء من الغرب المعادي، روسيا، أو الشّرق الأقصى، الصّين، يمثّلون الجانب الأخر، قلعة الشّر و الاستبداد و بأنّ الصّراع مستمر و بأنّ أي محاولة للنّيل من الكيان، حتّى بالانتقاد، هو انتقاص لحيّز الدّفاع عن الغرب و عن قضاياه و اشكاليّاته الحضاريــــــــــــــــة و بأنّ المخرج هو في استمرار إبراز أنّ القسام و الفلسطينيين إرهابيين و بأنّ جرائم الإبادة هي جزء من العمل الذّي يجب القيام به لفسح المجال أمام انتصار التّاريخ و الحضارة الغربية على غرار ما قال به فوكوياما، أي ضمان نهاية جميلة للتّاريخ بانتصار الخير، وفق ما يتحدّثون به و وفق وصفهم للموقف.
تنتهي كذبات هنري ليفي بقمّة المزاجية الممقوتة عندما يزعم بأنّ ثلاثة دقائق تكفي، عند زيارة الكيان الصُّهيوني، للتّأكُّد بأنّ الكيان بلد متعدّد العرقيّات و الأديان و بأنّ ثمّة احترام لمنظومة التّعدُّدية الثّقافية و الدّينية أي أنّ الكيان جنّة الدّيمقراطية في حين أنّ ليفي، نفسه، يتحدّث، مرارا و تكرارا، عن الطّبيعة اليهودية لدولة الكيان تماما كما عبّر عنها مشروع قانون كان اللّيكود، حزب مجرم الحرب نتنياهو، منذ أعوام إقرارا من الكيان بأنّه بلد للميز العنصري و هي، في حدّ ذاتها، جريمة يعاقب عليها القانون الدُّولي فضلا عن جرائم الاستيطان، الإبادة و القتل الجماعي ضدّ شعب بأكمله،ة منذ أكثر من سبعة عقود.
يثبت لنا باسكال بونيفاس، كما كانت عادته، منذ تأليفه لكتابه المشهور ‘المثقّفون المدّلسون”، و فيه للذّكر، برنارد هنري ليفي، بأنّه مازال مناصرا للحقّ و بأنّه يُعدُّ، حقّا، من شرفاء الغرب المندّدين بالباطل الصُّهيوني و بجرائم الإبـادة و هو صوت تُرفع له القبّعة و بخاصة أنّه يتحدّث من الغرب و بأدوات الغرب حيث تُتاح له الفرصة، رفقة شرفاء آخرين، في مرّات قليلة و لكنّها مفيدة، لرفع الصّوت بما لا يمكن للمسلمين، العرب و الفلسطينيين قوله دفاعا عن قضايانا و عن معايير الحقّ في هذا العالم.