أصبحت الجزائر قي قلب محيط عربي وإفريقي،ومتوسطي مليء بالأزمات في مظهر يؤكد أن التحولات الدولية كبيرة،وأن مرحلة أخرى دخلها العالم بعد فترات الحرب الباردة،والحرب على الإرهاب،وغيرها من العناوين الكبرى للمراحل التي تمر بها العلاقات الدولية فعالم اليوم يُدار بالأزمات من خلال تبني نهج جديد للسيطرة والهيمنة،والاحتكار والقهر في إطار الصراع بين الشرق والغرب،وكذا محاولة لإضعاف الدول المحورية التي تسعى للتأثير في الاتجاه الصحيح للعلاقات الدولية على غرار الجزائر.

اكتشف الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أساليب جديدة لتعويض الحروب التقليدية للسيطرة على الدول والمحاور،أو للانتقام من الخصوم الذين يحاولون الوقوف بندية مع الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول التي تريد التأثير على اتجاهات الأزمات مثلما يحدث اليوم مع القضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية.

فاليوم روسيا منشغلة بأوكرانيا،والصين منشغل بأزمة بحر الصين الجنوبي،ومشكلة حدودية مع الهند،ومشاكل مع نيبال،والعالم اليوم يتفرج على فلسطين وقطاع غزة وكأنه غير معني بالمواثيق،والاتفاقيات حيث سوقت الولايات المتحدة الأمريكية بأنها رئيس العالم من خلال سفرها إلى قلب الأزمات لإيجاد الحلول،وتحقيق التوافقات،وتسطير الترتيبات لما يخدم مصالحها،ومصالح حلفائها،وإلا فالنار والسلاح والدمار والخراب مصير كل من يقف في طريقها،ويرفض توجيه الأزمات ولو على حساب مصالح،وسيادة الدول.

والمتتبع لواقع حدود الجزائر يلاحظ الحزام الناري الذي يدور بها من خلال عدد الأزمات الكبير من مما يحدث في المغرب،ومالي والنيجر،وليبيا،وجر موريتانيا،وتونس إلى مستنقع الضغوطات الاقتصادية،والسياسية في سياق مسار عالمي عامر بالاستقطاب.

حذاري من قوى الشر.

إن عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على اختراق الدول المحورية والطامحة للتموقع في النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب دفعها لاختلاق أزمات داخلية،وإقليمية لها حيث قامت بإثارة انقلابات في الدول المجاورة لمحاور الممانعة،والتحدي على غرار ما يحدث في منطقة الساحل في إفريقيا،مع التماطل في حل مختلف الأزمات الأخرى المتواجدة في الأمم المتحدة على غرار الصحراء الغربية،وليبيا التي تعيش حالات الانقسام والفتنة،ومع بروز أدنى إشعاعات أمل لحل تلك الأزمات يتحرك الغرب بدعم من طابور خامس دولي لإفشال كل الحلول الدبلوماسية لهذه الأزمات على الأقل (مالي 2012)،ليبيا (2011)،السودان (2019)،(النيجر 2023).

لقد تبين أن تلك الأزمات مفتعلة،وهناك مخابر دراسات،وبحوث عالمية تزود صُناع القرار بهذه المخططات بطرح كيفية خلق الأزمات وإدارتها وتوجيهها،والتصدي لمحاولات حلها،ويشترك في هذه المخططات النخب والدوائر العسكرية،والاستخباراتية،وكبرى الشركات المتعددة الجنسيات من خلال التمويل على أن تسترجع أموالها مضاعفة بالسيطرة الاقتصادية فيما بعد على الدول الهشة محل تجريب الأزمات.

ولتجسيد هذه المخططات يتم اختراق الدول المستهدفة خاصة في الوطن العربي وإفريقيا،وحتى أمريكا الجنوبية بقوى ناعمة حزبية ونخبوية،وإعلامية يتم إدارتها وفقا لعقيدة،وايديولجية الغرب وتُستغل مستقبلا لخلق الصدامات السياسية والاجتماعية،والثقافية،والاثنية عندما تحتاج القوى الغربية،وواشنطن أوراقا أو مبررات للتدخل العسكري أو لتحريك الانقلابات العسكرية،ويظهر بأن قوى من الشرق قد أخذت هذا النهج في إفريقيا والوطن العربي للتمدد في المياه الدافئة ومناطق المواد الخام،والمعادن النادرة.

واستقطب الغرب وبعده الشرق نخب عسكرية،وسياسية قام بتكوينها وأدلجتها وغرسها في مختلف الدول والأنظمة ليتم اللجوء إليها في وقت تضارب المصالح،وتهديد مصلحة دول ما أو تكتل ما ضد دول أخرى.

أمام هذه التطورات والواقع الجديد نلاحظ بأن دول مجاورة للجزائر تنساق وراء مخططات خارجية متعددة المحاور تدعمها بالسلاح والمال،والترويج الدعائي لاستعداء الجزائر،والتشويش على طموحات،ومشاريع الجزائر التي صرفت عليها الملايير من أجل الصالح العام في إفريقيا على غرار الطريق العابر للصحراء الذي يربط الجزائر بنيجيريا (6200كم) متفرعا على مالي والنيجر.كما أنها تسعى لاستكمال مشروع “نيغال” خط الغاز بين نيجيريا والاتحاد الأوروبي،لنقل أكثر من 20 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي،ومشاريع كبرى أخرى تمس الاستثمار في قطاع الخدمات ( المصارف،والنقل البحري والجوي)،وهو ما حرك قوى الشر من خارج إفريقيا لتجنيد أنظمة،ونخب عسكرية تحكم بدون شرعية شعبية لاستهداف الجزائر.

إن توغل الكيان الصهيوني في مختلف المجالات الجغرافيا عالميا سقط مع عملية طوفان الأقصى،وسقطت معه مخططات الكثير من عواصم الشيطان والشر، التي هرولت للكيان الصهيوني،وعقدت معه الاتفاقيات والتحالفات تتجاوز مصالحها الثنائية بل كانت عطاء لمؤامرات إقليمية هدفها تدمير كل القوى الرافضة للكيان الصهيوني،والمنتقدة لمحاور الشر العربية التي انخرطت في مخطط عالمي خبيث هدفه عولمة القيم الغربية والصهيونية على حساب المرجعيات العربية والإسلامية.

إن مواقف الجزائر،وصراحتها في مختلف الأزمات ساهم في إظهار العديد من الجوانب الخفية في مختلف الملفات بالنظر لعدم طمعها لا في خيرات الشعوب ولا في انخراطها لإضعاف الدول،إن ردود فعل بعض المجالس العسكرية في إفريقيا،التي تسير مراحل انتقالية دون شرعية شعبية عبر الانتخابات باتت محل استغلال من قوى متعددة تبتزها بإبقائها في الحكم مقابل شن الحروب النفسية،واستهداف دول الممانعة،والمقاومة والغريب أن مثل هذه الأمور تحدث عن قرب انتخابات دولة معينة،أو انتهاء تسيير المراحل الانتقالية والسودان ومالي أكبر دليل.

في إفريقيا مثلا لا تنمية ولا استثمارات ولا نقل للتكنولوجيا ولكن الأمر الوحيد المتوفر في كل زمان ومكان وبكميات لا تنتهي هو السلاح،الذي يعتبر أهم أداة في إفريقيا،وانتقل هذا الملف إلى الأسواق الموازية،والجماعات الإرهابية المصنوعة والموجهة استخباراتيا،ومختلف المليشيات المؤدلجة دينيا بفتاوى ودعم شيطاني كبير جدا،وزرعها في الحدود الجنوبية للجزائر لاستنزاف قدرات الجزائر ماليا وعسكريا،واقتصاديا.

إن التحديات المستقبلية ورهانات الحفاظ على الأمن والسيادة،ودعم قضايا التحرر جعلت الجزائر تنبيه لأهمية تعزيز وتقوية الجبهة الداخلية،وتحصينها والعمل على إزالة كل الشوائب والمنغصات،ثم الانتقال للعامل الاقتصادي كمحور توازن للاستقرار وضمان تمويل مختلف المؤسسات خاصة العسكرية والأمنية لردع المتآمرين،وفضح مخططاتهم ،ولكن بالمقابل وجب على مؤسسات عديدة على غرار الإعلام الانخراط أكبر في هذا الحروب ورفع مستويات الأداء لأن عملية طوفان الأقصى وقهر الكيان جزء كبيرة منه تم بالسلطة الرابعة.

 

لقد تبين أن الهجرة غير الشرعية،وتهريب المخدرات،والاتجار بالبشر ظواهر مصطنعة رافقت تلك المخططات لإشغال الجزائر،وتونس،وحتى ليبيا وزيادة الضغط عليهم بظواهر لا تجلب انتباه دول جوار الجزائر المتسببين فيها،وفوق ذلك يستفيدون منها ماليا،عبر تسهيل مرور عصابات تهريب البشر والسلاح،والمخدرات لإبقاء الأوضاع على ماهي عليه بإيعاز من مخططات أجنبية خبيثة.

وعليه فالتهديدات والمؤامرات اتضح بأنها مبنية على أسس ودراسات لزمن طويل جدا يستهدف إضعاف الدول بالوقت،وعبر الزمن لإرهاقها وتحضير مسببات الخراب والدمار.

شارك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *