قمّة الدول المصدّرة للغاز التي تنعقد في الجزائر مناسبة لطرح عديد الأسئلة عن مستقبل الطاقة في هذه البلاد، مع العلم أنّ العقل المدبّر يقف بين حدّين :

أوّلا : معادلة الغاز وبصفة أعمّ معادلة الطاقة، تأتي ذات بعد كوني، حين لا يمكن لأيّ بلد أن يقرّر ويُلزم الأخرين في نكرانًا لحقوقهم وما هي تطلعاتهم. مع الاعتراف بوجود دول ذات تأثير أكبر ممّا للأخرين.

ثانيا : يكون رسم سياسة الطاقة ومن ورائها قرارات الإنتاج والاستهلاك الخارجي دون اغفال التصدير، في الجزائر وفق نظرة تأخذ بعين الاعتبار، سواء مصلحة البلاد في الوقت الراهن، دون أن ننسى الأجيال القادمة.

هي منزلة بين منازل عدّة : لا انغلاق دون الواقع العالمي في مجال الطاقات بأنواعها، ولا هو تسيّب يبغي غايات آنيّة وليدة نظرة قصيرة، قاصرة عن رؤية الواقع.

من الملفّات الكبرى المفتوحة في الجزائر، ما يخصّ الطاقات المتجدّدة، علمًا من باب اليقين أنّ الطاقات الأحفوريّة، بقدر ما هو النقاش الذي يبلغ حدّ التناقض بين قراءات المختصين، هي طاقات ذات مخزون محدود مهما كان ضخمًا في هذا البلد أو ذاك.

الطاقات المتجدّدة لم تعد خيارًا طوباويا، هدفه فقط الحفاظ على المحيط، بل إضافة إلى كلّ ذلك، هي من الرهانات الاستراتيجية، ومن ثمّة من يسجّل سبقًا على مستوى التفكير والتخطيط ومن بعد ذلك الاستثمار والانجاز، يخطو خطوة (أو خطوات) كم هي ثمينة، على اعتبار أنّ من يحذق فنّ الاستدارة بمعنى الانتقال، من نمط الإنتاج والاستهلاك التقليدي إلى جدليّة تمكّن من الحفاظ على مصالح الجزائر ضمن الأبعاد الاستراتيجية للكلمة، هو الأبقى.

تملك الجزائر إمكانيات أكثر من ممتازة على هذا المستوى، بل هي تملك من الأوراق ما لا يملكه غيرها، ومن ثمّة جاءت السياسات الحاليّة بقدر ما هي استشرافيّة على مستوى التخطيط، بقدر ما هي واقعيّة على مستوى الاستثمار الداخلي أو التعاون مع جهات تملك من العلم وبها من التكنولوجيا ما يمكّن الجزائر من أن تحوز مكانة وتحافظ على مكانها في أعلى الترتيب…

رغم أنّ السوق العالميّة، على مستوى العرض والطلب، لم تحسم بعدها على مستوى سرعة الانتقال إلى هذه التكنولوجيات التي ستبدأ التحوّل من «بديلة» إلى «أصيلة»، إلاّ أن المنحى العام محسوم في أمره، حين الاختلاف قائم بخصوص موعد نفاذ أو صعوبة انتاج الطاقات الأحفوريّة، وليس بخصوص حدوث الأمر من عدمه.

الطاقة الشمسيّة أحد أهمّ الخيارات المطروحة، ليس فقط لتحقيق الاستدارة، بل، أهمّ من ذلك أن يتمّ التأسيس لطاقة نظيفة وخاصّة متوفرة لآلاف السنين، ممّا سيحوّل منطقة الصحراء الكبرى التي تحوز الجزائر أغلبها، إلى «جنّة» جديدة…

تحتلّ سوق الطاقة، أو بالأحرى أسواق الطاقات بجميع أصنافها ومختلف أشكالها، مكانة أوسع بكثير من توفير ما يلبّي حاجيات الأمم والدول والمجتمعات والأفراد، نحو بروز سلّم جديد لقياس مكانة الدول ومكانها بين الكبار.

الوضع الحالي، أيّ شكل الاستهلاك القائم لم يندثر بعد، في حين يلوح من بعيد عالم جديد لم نتبيّن قسماته في صفاء يمكّن من استقراء حالته.

هي القدرة إذا على التفكير بسرعتين أو هو شبيه بالانتقال من فيزيا نيوتن القائمة على الجاذبيّة إلى فيزيا أينشتاين المستندة إلى الطاقة الكامنة داخل الذرّة أو نواها.

بدأ السباق أو هو تحوّل من ماراتون دون قانون ضابط على مستوى جدليّة الصراع غير البقاء للأقوى، وسيتواصل في شكل قادم، مختلف القواعد لكنّه خاضع لذات الشعار، أيّ دائمًا البقاء للأقوى.

صراع ممرّات الطاقة سواء عبر الأنابيب أو على متن بواخر خاصّة، سيتواصل دون هوادة، بل هو سابق للصراع من أجل السيطرة على «منابع الطاقة» ذاتها…

ما يجري في منطقة الصحراء والساحل من «حراك سياسي» أيّ تطلّع عديد الشعوب إلى الانعتاق من سيطرة القوى الاستعماريّة التقليديّة، وعدم اقتناع هذه القوى بأنّ «اللعبة انتهت» يجد جذوره أو الجانب الأكبر منها في «خارطة الطاقات الجديدة» التي على أساسها سيتمّ أو هي بداية إعادة ترتيب الأوراق وتوزيع النفوذ.

شارك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *