يعول العالم على القمة الـ 07 لمنتدى الدول المصدرة للغاز التي تحتضنها الجزائر بين 29 فبراير و02 مارس 2024 للوصول إلى إستراتيجية عالمية لتأمين التزود بالغاز من خلال عديد الاحتمالات المتوقع الوصول إليها في نهاية القمة التي تعتبر الأهم على الإطلاق لعديد الإعتبارات .

وتستعد الجزائر لإحتضان القمة بمتابعة من أعلى السلطات في البلاد التي خصصت للحدث اجتماعا خاصا مؤخرا لضبط التحضيرات وتوفير كل سبل النجاح.والحدث سيجمع أهم الدول المصدرة للغاز في العالم حيث تشكل هذه الدول مجتمعة 70 بالمائة من احتياطات الغاز العالمية المؤكدة،وأكثر من 40 بالمائة من الإنتاج،المسوق،و 47 بالمائة من صادرات الغاز الطبيعي على المستوى العالمي .

ومن المنتظر أن يتحول منتدى الدول المصدرة للغاز إلى تحالف استراتيجي تكون له كلمته في توجيه العلاقات الدولية من خلال استغلال التركيبة المهمة التي تعتبر جامعة تقريبا لكل مناطق العالم من خلال تواجد دول تتقاطع في العلاقات المميزة مع الجزائر.وهذه المنظمة الحكومية الدولية التي تأسست في 2001 في طهران،ومقرها في الدوحة حاليا تسعى لحماية مصالح الدول المصدرة للغاز الطبيعي.

وتتشكل المنظمة من 12 دولة،و5 دول مراقبة من بينهم الدول الـ 5 لأكبر مصدري روسيا – إيران – قطر – فنزويلا –الجزائر يسيطرون على 73 بالمائة من الاحتياطي العالمي و 42 بالمائة من الإنتاج،والدول الـ 12 الأعضاء هي 5 من إفريقيا “الجزائر،نيجيريا،ليبيا ، مصر،غينيا الإستوائية ،و3 من الشرق الوسط وهي إيران ،قطر ،وسلطنة عمان،و3 من أمريكا الجنوبية على التوالي فنزويلا ، بوليفيا  ترينيداد وتوباغو،ويضاف لهم 5 دول لديهم صفة مراقب : هم العراق ، كازاخستان ،هولندا ، النرويج ، البيرو.

فالجزائر في بداية القرن الحالي كانت السباقة إلى الدعوة إلى إنشاء “كارتل للغاز” على غرار تجمع “أوبك” لتحقيق التوازن بين حقوق،وأتعاب المنتجين،وكذا استفادة المستهلكين من أسعار معقولة بعد أن عانت الدول المنتجة إلى غاية 2022  من ابتزاز،ومساومة الدول المُستوردة التي استغلت كثرة العرض،وبُعد التأثيرات السلبية كالنزاعات المسلحة للاستفادة من أسعار متدنية خاصة لما عرفته العلاقات الأوروبية،الروسية من تحسن.

ولكن منذ شتاء 2022 تغيرت معطيات أسواق الغاز مع اندلاع الأزمة الأوكرانية،وفرض سلسلة من العقوبات على روسيا، المُورد الأول للاتحاد الأوروبي للطاقة الغازية،تغيرت المعطيات كثيرا بسبب التنازلات الكبيرة التي قدمتها الدول المستوردة للغاز، من خلال قبولها مراجعة الأسعار،واستعدادها لنقل التكنولوجية،والوصول إلى شراكات كبيرة في سياق زيادة الإنتاج،والرفع من مستوى الصادارت لتلبية الاحتياجات المتصاعدة للقارة العجوز على وجه الخصوص.

وما يزيد من أهمية قمة الجزائر لمنتدى الدول المصدرة للغاز ،هو عسكرة المسالك البحرية التجارية الدولية،في بحر الصين الجنوبي،والبحر الأحمر،وبحر العرب،وباب المندب،ومضيق هرمز،وعودة الاضطرابات في القرن الإفريقي ما قد يجعل التزود بالطاقة مستقلا أمرا عسيرا للغاية.ولكون الجزائر في موقع استراتيجي قادرة من خلاله على تصدير شحنات الغاز دون أدنى مشاكل لوجستية أو تأثير أي نوع من الصراعات على الوفاء بالتزاماتها في مختلف الظروف لتضرب الجزائر بذلك أحسن الأمثلة في أداء واجباتها تجاه مختلف الدول،وفوق ذلك لم توظف الغاز كورقة للضغط أو للابتزاز حيث توقع الكثير بعد سوء الخلاف الجزائري الاسباني الذي حدث في مارس 2022 أن تلجأ الجزائر للضغط بورقة الغاز لكنها أكدت في عديد المرات أن علاقاتها مع الشعوب هي الأساس،وبان مبادئ وأخلاقيات الجزائر بعيدة كل البعد عن التوظيف الضيق لملف الطاقة.

وحافظت اسبانيا على حصتها من الجزائر المقدرة ب 10 ملايير متر مكعب سنويا،رغم توقيف ضخ الغاز على الأنبوب المغاربي منذ خريف 2021  بعد محاولة نظام المخزن التطاول على الجزائر دون احتساب عواقب خطواته.

7454 تريليون متر مكعب احتياطات عالمية

إن التحولات العالمية في العلاقات الدولية ،وإزدياد الهوة بين الشرق،والغرب جعل من أسواق الغاز تتغير رأسا على عقب فمع مقاطعة الغرب للغاز الروسي الذي كان المُصدر رقم واحد للقارة الأوروبية( يضمن أكثر من 50 بالمائة من احتياجات أوروبا)،واتجاه موسكو لأسواق الشرق خاصة الصين،والهند، مع العمل على جعل قطر،والجزائر،والولايات المتحدة الأمريكية كموردين أساسيين للقارة الأوروبية لكن مع تكاليف أكثر بسبب بُعد الدوحة،وواشنطن وما يصحُبه من ارتفاع تكاليف النقل والتأمين.

تنعقد قمة الجزائر للدول المصدرة للغاز في ظل حرب إحصائيات،وأرقام كبيرة جدا،وهذا مع كثرة التأويلات،والاتجاهات السلبية والإيجابية فكل وسائل الإعلام مجندة لخدمة بلدانها وحلفائها فمجلة “غاز آند أويل” التي تعتبر مرجعا عالميا في نشر الإحصائيات تؤكد أن سنة 2023 قد عرفت ارتفاع احتياطات الغاز العالمية عموما بنسبة 0.7 بالمائة حيث بلغت 7454 تريليون متر مكعب بزيادة 212 تريليون متر مكعب بالمقارنة مع سنة 2022 .

وإن كان ارتفاع الإحتياطات بصفة عامة أمرا إيجابيا إلا أن الإحصائيات المتعلقة بالدول ظهر فيها إختلالا كبيرا جدا قد يجعل الكثير من مناطق العالم تعرف تراجعا في تلبية احتياجاتها من الغاز،أو ارتفاع تكاليف ضمان مُوردين جدد.

يعرف شرق الكرة الأرضية تآكلا رهيبا في احتياطات الغاز الطبيعي مثلما نشرته ذات المجلة “غاز آند أويل” فما عدا ارتفاع احتياطي الصين إلى 264 مليار متر مكعب في 2023 بعد أن كان 255 مليار متر مكعب في سنة 2022،ولكن بعد أن خصصت بكين استثمارات ب 11 مليار دولار لزيادة الاحتياطات.وهو رقم مكلف للغاية،ولكن بالنظر للحسابات المستقبلية،وتهديدات الولايات المتحدة الأمريكية بحرب تجارية ضد الصين،وإتخاذ سياسية العقوبات،والوعيد،وبروز أزمة تايوان كلها معطيات جعلت من الصين استثناءا بالمقارنة مع عديد الدول التي خسرت احتياطات مهمة جدا.

وسجلت الإحصائيات العالمية انخفاض احتياطات استراليا من الغاز إلى 96 تريليون متر مكعب في 2023 بعد أن كانت 114 تريليون في 2015.وهو ما يشكل حوالي 18 بالمائة من احتياطات الغاز الأسترالية ما سيؤثر بشكل كبير على صادراتها خاصة في ظل إنعدام اكتشافات مهمة تراعي الإحتياجات المتزايدة .

وغير بعيد عن استراليا سجلت اندونيسيا انخفاضا في الاحتياطات الغازية ب 6 تريليون متر مكعب لتسجل 35 تريليون متر مكعب في 2023 بعد أن كانت 41 تريليون في 2015.

وبالمقابل انخفضت احتياطات الهند من 48 إلى 40 تريليون في إحصائيات تجعلنا نفهم انقلاب الكثير من مواقف الدول تجاه الأزمات،والقضايا العادلة،وكذا استعمال ورقة الطاقة للابتزاز والمساومة،وكسب الحلفاء،ولو ببيع الطاقة بأسعار رمزية خاصة في ظل تقلبات الملف الأوكراني فالروس استغلوا حاجة الآسيويين للطاقة،وتمكنوا من ضمان أسواق بديلة جديدة للطاقة،بينما بقيت أوروبا الضحية الكبرى في هذه التحولات الخطيرة،خاصة مع تحركات اليمن التي أغلقت البحر الأحمر على الإمدادات الطاقوية.

وتوجه القارة الأوروبية أنظارها نحو الجزائر أكثر فأكثر لضمان واردات إضافية من الغاز الطبيعي،والمسال حيث جددت الشركة الفرنسية “أنجي” اتفاقيات مع الجزائر لزيادة توريد الغاز إلى فرنسا لتصبح الجزائر موردا لفرنسا بنسبة 13 بالمائة من احتياجاتها من الغاز،وهي مرشحة للارتفاع أكثر مع بروز مؤشرات لاستمرار الأزمة الأوكرانية،وانخفاض احتياطات الطاقة في أوروبا ب 77 بالمائة بسبب الشتاء القارص،وانخفاض درجات الحرارة.

الجزائر ..تُفوض لإدارة أزمات الطاقة ؟

ودقت القارة العجوز ناقوس الخطر مؤخرا خاصة بعد نشر إحصائيات احتياطات عديد القوى الغازية الأوروبية،والتي أكدت على استقرار الاحتياطات في النرويج فقط عند 51 تريليون متر مكعب.أما بريطانيا فسجلت انهيارا للاحتياطات من 5.2 إلى 4.6 تريليون متر مكعب .

وعليه فهذه الإحصائيات المدمرة للقارة الأوروبية،والتي جعلت حكوماتها تستنجد بالجزائر لسد العجز والتحضير لمستقبل طاقوي خطير قد تنجم عنه ثورات اجتماعية في القارة العجوز إذا لم تسارع لضمان شراكات مع الجزائر استغلالا للقرب الجغرافي،وقدرة الجزائر على تأمين المتوسط،ومسالك تصدير الغاز ،وضخها لاستثمارات ب 40 مليار دولار في مجال الطاقة بين (2022،2026).

فالإنزال السياسي،والدبلوماسي والإقتصادي للجزائر بزيارة مسؤولين من ايطاليا،وجمهورية التشيك،وسلوفينيا،وفرنسا،ومؤخرا ألمانيا يرفع من حظوظ الجزائر في أن تصبح محورا لإدارة ملف الغاز بالنظر إلى عدة عوامل أهمها علاقاتها الدبلوماسية المعتدلة مع كل الدول،وقدرتها على إدارة صدمات أسواق الطاقة باقتدار خاصة بعد أن نجحت في إنقاذ العالم من خراب وشيك بعد أن أنقذت أسواق،وأسعار الطاقة من النكبة بعد أن نجحت في تحويل قمة “أوبيك” بالجزائر العادية في سيتمبر 2016 إلى قمة استثنائية قررت من خلالها خفض إنتاج النفط بأكثر من 30 مليون برميل يوميا ما أدى إلى إنتعاش أسعار النفط،بتأييد روسي مطلق.

وتعول الدول المنتجة للغاز على قمة الجزائر لقرارات تاريخية تراعي مصالح الجميع،من خلال العمل على توفير الغاز لكل إقتصاديات العالم بأسعار في صالح الجميع،وبضمانات لنقل التكنولوجية للاستثمار أكثر في مجال الغاز في الدول المصدرة للغاز،بعد أن عملت الشركات المتعددة الجنسيات للدول الغربية على حرمان الدول المنتجة من التكنولوجيات المتقدمة الأمر الذي جعلا الاحتياطات تتآكل في ظل الارتفاع الكثير على الطلب.

وتحتل الجزائر المرتبة الثانية في تصدير الغاز نحو الاتحاد الأوروبي عبر الأنابيب ( “ميدغاز” نحو اسبانيا،”ترانسماد” نحو ايطاليا في انتظار استكمال مشروع خط أنابيب “غالسي” محور ايطاليا لنقل الغاز والهيدروجين الأخضر،والأمونيا الخضراء والزرقاء) كما حققت ارتفاعا هاما في صادرتها من الغاز المسال حسب ما جاء في تقرير “منتدى الدول المصدرة للغاز”. لسنة 2023 بحصة 19 بالمائة في ترتيب قائمة الدول المصدرة للغاز بعد النرويج التي تستحوذ على حصة 54 بالمائة من حصص التصدير، وتراجعت روسيا إلى المرتبة الثالثة بحصة 17 بالمائة.

وأمرت السلطات الجزائرية عبر الرئيس عبد المجيد تبون برفع صادرات الغاز من 53 مليار متر مكعب سنويا إلى أكثر من 100 مليار متر مكعب سنويا تماشيا،والتحولات الكبيرة في قطاع الطاقة وخاصة الغاز كطاقة نظيفة وبديلة.

وبلغ متوسط الكميات التي وصلت عبر الأنابيب شهريا للاتحاد الأوروبي 2.41 مليار متر مكعب شهريا، وأشار نفس التقرير أن الإتحاد الأوروبي إستورد 155 مليار متر مكعب من الغاز في سنة 2023 بعجز يقدر ب 23 بالمائة بالمقارنة مع ما تم استيراده في سنة 2022 .

وفي ظل ارتفاع مستويات التوتر بين الشرق والغرب ،تحاول الولايات المتحدة الأمريكية فرص نفسها كمتصدر للدول المُصدرة للغاز في العالم من خلال التركيز على الغاز المسال الذي وجدت في أوروبا الزبون الساذج بعد أن تنازل عن الإمدادات الروسية،والرضوخ لتهديدات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب الذي هدد المستشارة الألمانية السباقة “انجيلا ميركل”بعقوبات قاسية إذا مكنت الروس من تشغيل خط “نورد ستريم 2″،وخضعت أوروبا لجشع الشركات الأمريكية حيث باتت تشتري الغاز الأمريكي ب 4 أضعاف عن ما كانت تدفعه لروسيا.وهو ما دفع بالأوروبيين للتعويل على الجزائر لإحداث نوع من التوازن مع مؤُردي الأطلسي والتخلص من ابتزاز وتبعية قاتلة.

وتحتل الدوحة حسب تقرير لمنتدى الدول المصدرة للغاز في 2023 المرتبة الثانية ثم استراليا المهددة بخفض صادراتها من الغاز بفعل انخفاض المخرزونات ثم ماليزيا،أما روسيا فأصبحت في المرتبة الخامسة تليها اندونيسيا،ونيجيريا ثم سلطنة عمان. .وتحتل الجزائر المرتبة التاسعة عالميا.

 

الجزائر الـ 04 عربيا في احتياطات الغاز.

كشفت وحدة أبحاث الطاقة لمجلة “أويل أند غاز في سنة 2023” ترتيب الدول العربية الأكثر احتياطا للغاز الطبيعي 2023 حيث انفردت قطر بالصف الأول ب 842 ألف مليار متر مكعب.متبوعة بالسعودية باحتياطات تقدر ب 355 ألف مليار متر مكعب.أما الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثالثة فقد سجلت 289 ألف مليار متر مكعب.

أما الجزائر التي جاءت رابعة ب 159 ألف مليار متر مكعب كاحتياطي تقدمت عن العراق صاحب الصف الخامس ب 131 ألف مليار متر مكعب.

وتتقاسم مصر،والكويت الصف السادس ب 63 ألف مليار متر مكعب.لكل منهما،وبلغت احتياطات ليبيا53 ألف مليار متر مكعب.واحتلت سلطنة عمان ب 24 ألف مليار متر مكعب.المرتبة التاسعة ثم اليمن ب 16 ألف مليار متر مكعب.

بقلم: حكيم بوغرارة

شارك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *