رضخت فرنسا لشروط الجزائر في إطار تحضير زيارة الرئيس عبد المجيد تبون الى فرنسا التي قال عنها في وقت سابق بأنها لن تكون زيارة للسياحة،وأخذ الصور،وكانت لرسائل الجزائر وقع كبير في قصر الاليزيه من خلال اقتناع الكثير من الدوائر الفرنسية التي كانت ترى في الجزائر بأنها مازالت مستعمرة سابقة أو ولاية فرنسية،أو ذهنيات مازالت تعمل فرنسا على حساب مصالح الجزائر،بأن الأمور تغيرت كثيرا،وبأن الجزائر التي وسعت نفوذها وعلاقاتها شرقا،وغربا لم يعد لها الوقت الكافي لتضييعه في علاقات مع دول مازالت ترى في الماضي أساس بناء العلاقات.
حيث كان لمكالمة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الأخيرة مع الرئيس الجزائري مع المجيد تبون. الكثير من الرسائل التي توحي بأن باريس قد رضخت لشروط الجزائر الواقعية في إعادة بناء اللاعقات الجزائرية الفرنسية . على أسس جديدة ووفقا لاتفاق الجزائر أوت 2022 الذي توج زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للجزائر .والذي اعتمد العديد من المحاور أهمها رفع مستويات التشاور والتنسيق السياسي حول مختلف الملفات . وإنشاء لجان مختلطة للذاكرة والتاريخ . وتوسيع المبادلات التجارية والاقتصادية. وتشجيع الشراكة بين البلدين.
وحملت المكالمة الهاتفية بين الرئيسي العديد من الدلالات التي صبت في صالح الجزائر من خلال الإشارة إلى موعد زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا،والتي ستكون بين نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر،بعد تأجيلها في عديد المرات بسبب استفزازت بعض الدوائر المظلمة في الاليزيه.
وجاءت هذه الخطوة الفرنسية في سياق مساندة فرنسا لمجهودات الجزائر تجاه القضية الفلسطينية خاصة بعد تصويت فرنسا بنعم على مستوى مجلس الأمن الدولي فيما يخص مشروع قرار الجزائر الخاص بوقف إطلاق النار في غزة لتسهيل تطبيق قرارات محكمة العدل الدولية،وكذا تعبيرها مع مفوضية الاتحاد الأوروبي عن القلق من انسحاب مالي من اتفاق الجزائر،وتعبير الرئيس ماكرون عن بالغ قلقه في المكالمة إزاء تطور الأوضاع في فلسطين المحتلة لا سيما في غزة ،وهو تحول جذري في الموقف الفرنسي تجاه فلسطين بالمقارنة مع بداية عملية طوفان الأقصى.
ولم تخلو المحادثات من المسائل الإقليمية وأكيد بان الصحراء الغربية،ومنطقة الساحل وقضية الصحراء الغربية وليبيا،والتهديدات التي تمس السلم،والأمن في إفريقيا وكذا المتوسط،لأن بين الجزائر،وفرنسا تفاهمات حول تنسيق التشاور والتعاون في المجال الأمني والاستخباراتي من خلال عقد لقاءات مشتركة بين مجلسي البلدين للأمن،وهو ما يوحي بأن تطورات الأزمات في العالم ،وزيادة عسكرتها وارتفاع حدة الاختلاف الأمريكي الأوروبي دفع بعديد الدول الأوروبية إلى ضرورة إعادة بناء علاقات أوروبا مع جوارها وخاصة إفريقيا ففي ظل تواجد الجزائر كدولة محورية،وقوية ومؤثرة فالأوروبيون يريدون تصحيح سياستهم تجاه إفريقيا في ظل تعدد اللاعبين الدوليين ودخول الكثير من المتغيرات الجديدة التي جعلت أوروبا تنحصر كثيرا.
ومن خلال المكالمة تبين أن فرنسا قبلت تعديل جدول أعمال الزيارة من خلال برمجة ملفات الطاقة والفلاحة،والأتربة النادرة،والسكك الحديدية لتمكين الجزائر من التكنولوجية اللازمة،ومنه تصحيح اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي لم تلتزم به الدول الأوروبية في وقت سابق وحاولت أن تجعل منه مطية لجعل الأسواق المغاربية،والإفريقية سوقا لسلعهم وخزان للمواد الأولية والطاقوية .
فرنسا في أسوأ حالتها
وتحاول فرنسا تجاوز مشاكلها الداخلية التي طال أمدها،وكذا اصلاح علاقاتها مع مختلف المحاور التي عرفت أسوأ ايامها خاصة وأن العقيدة الأمنية الفرنسية تربط أمنها الداخلي بأمن شركائها في الخارج،واضفاء الدبلوماسية الفرنسية ليونة أكبر على توجهاتها يعكس ما تعيشه الجمهورية الخامسة الفرنسية من هشاشة ووهن، فالضعف الذي وصلت إليه باريس داخليا وخارجيا، وإقليميا لم يسبق وأن عاشته في مراحل سابقة،وهو ما شكل ضغطا على ماكرون لمباشرة ترميم العلاقات الاستراتيجية لفرنسا خاصة بعد تعيين غابريال عتال رئيسا وزيرا أولا خلفا لإليزابيت برن قبل أشهر كمحاولة لإعطاء نفس جدبد للسلطة التنفيذية الفرنسية.
وكانت موجات احتجاجات شعبية حول الأوضاع الاجتماعية،والاقتصادية، وحتى السياسية وأداء الخارجية إلى غضب عارم، وعدم رضا الشعب الفرنسي على مختلف المؤسسات، بعد عجزها عن معالجة مشاكل الفرنسيين التي تفاقمت مع الأزمة الأوكرانية، والسترات الصفراء، وقانون التقاعد.
واكتشف الفرنسيون مكر الدوائر الضاغطة الفرنسية التي تعمل ضد الشعب الفرنسي، حيث وجهت الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية، بما يخدم مصالح ضيقة لفئات معينة، كما أن محاولة تأمين أغلبية بسيطة برلمانية تحمي حكومات ماكرون عبر إليزابت برن أو غابريال عتال من مقصلة حجب الثقة، لم تنفع كثيرا في ظل زحف اليمين،وتوجس اليسار من سياسات الرئيس الفرنسي،وهو ما دفع باستعمال المادة 49.3 من الدستور الفرنسي لتجاوز غضب التشكيلات السياسية في البرلمان الفرنسي.
وحتى قانون الهجرة الذي زاد من متاعب ماكرون بعد نجاح اليمين المتطرف. في تمرير الكثير من الواد التي استهدفت المهاجرين الذين صنعوا امجاد فرنسا . لولا تدخل المجلس الدستوري الذي الغى عشرات المواد التي كانت ستضر بفرنسا داخليا من خلال ثورة وشيكة للمهاجرين . من خلال الإبقاء على مختلف أنواع الدعم الاجتماعي وإجراءات الحصول على الوثائق،والإقامة ولم شمل الأسر.
3000 مليار دولار ديون ؟
تعيش فرنسا تحولات داخلية خطيرة في ظل ارتفاع المديونية العمومية التي تجاوزت 3000 مليار دولار.. والمتراكمة بسبب سوء أداء حكومات ماكرون التي خدمت الأغنياء، وزادت من متاعب الفقراء حتى وصف ماكرون بأنه رئيس الأغنياء. من خلال عمله على رفع ثرواتهم بتخفيض الضرائب.
وتدخل احتجاجات وإضرابات الطبقة الشغيلة الفرنسية التي تشعر بخيانة كبيرة من الطبقة السياسية التي تحالفت ضده. وفرضت على وسائل الاعلام ممارسة التعتيم والتضليل، حيث حاولت التسويق لشغب بعض المحتجين على حساب نقل المطالب الحقيقية.
إن انتشار واتساع رقعة الاحتجاجات، والعصيان وكذا مواقف فرنسا من الملف الفلسطيني . في بداية عملية طوفان الأقصى سيجعل فرنسا مهددة من الداخل. لأن الابتزاز الهوياتي، والديني وممارسة الانتقائية مع المهاجرين كلها ملفات ملغمة تهدد الماكرونية كإيديولوجية جديدة . تجمع بين اليمين واليسار، مدفوعة كذلك بتوغل اليمين المتطرف الذي يصب الزيت على النار. للضغط على الإليزيه الذي حسب رأيها أوصل فرنسا لأرذل العمر.
وحسب الفرنسيين فإن الانصياع الفرنسي اللامشروط للولايات المتحدة الأمريكية. في الأزمة الأوكرانية. ورهن مصالح فرنسا مع روسيا. جعل الشعب الفرنسي يدفع فواتير ضخمة في مجال الطاقة،والمواد الغذائية، وانهيار الأورو،وارتفاع التضخم. وهي المشاكل التي أعقبت فترة كورونا ما رفع حالات طلب الدعم والتكفل الاجتماعي،وهو ما دفع بالخزينة الفرنسية إلى حافة الانهيار.
الحديث عن انهيار الجمهورية الخامسة يتسع في بلاد الجن والملائكة،خاصة بعد الإهانات. وحالات النكبات التي عاشتها فرنسا في القارة السمراء. وطردها المهين من مالي.وبوركينافاسو في انتظار النيجر،وتشاد،ومناطق أخرى في مشهد جعل سمعة الدولة الفرنسية تنزل الى الحضيض.