أفرزت عملية طوفان الأقصى نظرة جديدة للإعلام،وحرب المعلومات والتضليل والتوجيه فعادت السلطة الرابعة من الباب الواسع،ووجدت نفسها جالسة على طاولة صناعة القرار العالمي ،من خلال توجيه الأزمات لما يخدم كبرى القوى في العالم،وبالمقابل الانتقام من الطرف الخصم أو الذي لا يساير القوى الكبرى في توجهاتها في مختلف الأزمات والملفات.

وتخوض الجزائر حرب اعلام ومعلومات كبيرة في ظل كثرة الأزمات،والمؤامرات التي تميز العلاقات الدولية،والأوضاع الإقليمية،من خلال سعيها عبر مختلف المنابر وخاصة الأمم المتحدة إلى التنبيه لخطورة الأوضاع ،وما تنص عليه المواثيق،والقوانين الدولية ،ولكن في ظل هشاشة الكثير من الدول في مجال الإعلام ،والاستخبارات،والمعلومات تسعى الجزائر من خلال حرب المعلومات،وقدرتها على التكيف مع مختلف التحولات في مجال الإعلام ،والتكنولوجيات الحديثة،وعالم ما بعد الميتافرس تحصين نفسها،وإقليمها  من القوى المعادية في محاولات الاختراق،والتوغل،واستهداف الداخل بالطابور الخامس.

وفي ظل مواقف الجزائر من مختلف ملفات القضية الفلسطينية،والصحراء الغربية،ومختلف القضايا العادلة المتعلقة بالسلم والأمن في العالم،وكذا قضايا التنمية والطاقة مصدر إزعاج لعديد القوى الغربية حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية عبرت عن قلقها من خطوات الجزائر في مجلس الأمن تجاه مساعيها لوقف إطلاق النار في فلسطين المحتلة،وتمكين الفلسطينيين من حقوقهم،وبالمقابل وقف همجية الكيان الصهيوني،وعليه فاستعمال الإعلام وحرب الدعاية ضد الجزائر أمر واقع من خلال عديد المخططات التي تتوسع من خلال حلف غير معلن للتشويش على مواقف الجزائر،وتحريض عديد دول الجزائر على استعداء الجزائر،وتجنيد عشرات الآلاف من الذباب الالكتروني لتوجيه الأحداث،والتأثير سلبيا على مجهودات الجزائر للمتوقع إقليميا وعالميا سواء في المجال الدبلوماسي،أو الاقتصادي والتجاري،أو حتى المجال الطاقوي.

و ما حدث من تشويه للجزائر في منطقة الساحل،وعند زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزاوني مؤخرا إلى تندوف  تؤكد تواجد استراتيجيات صهيونية-مغربية-وحتى فرنسية بأموال دول عربية معادية للجزائر من أجل استهدافها داخليا من خلال العمل على تجنيد وسائل الإعلام والدعاية المغرضة،وسائل التواصل الاجتماعي،والمجمعات الإعلامية الكبرى،وعملاء على توظيف حملات دعائية شاملة تعتمد على التفاهات،والتشكيك،والنعرات،وزرع الشكوك،والتطرق لملفات شائكة على غرار العشرية السوداء،وفئات الشباب محاولة لحشد أكبر قدر ممكن من الفئات لمراحل قادمة لدفعها للفوضى،ومنه تحريك آلية المنظمات غير الحكومية،وحقوق الإنسان للضغط،والمساومة،والابتزاز.

لقد وجهت الجزائر  رسائلها التحذيرية من خلال كشف اجتماعات التآمر مع الصهاينة ،وليس ببعيد اكتشفت حضور زيلنسكي الرئيس الأوكراني إلى قمة جامعة الدول العربية،وكانت هذه المعلومات نقطة من بحر حول الحصول على المعلومة في الوقت المناسب،وتوظيفها في وسائل الإعلام الوطنية والدولية في سياق استباق المعلومات،وتوظيفها في الحروب المضادة بإشراك وسائل الإعلام،ولكون حروب الإعلام اليوم تتطلب خبرات ومورد بشري مُدرب،وملم بخلفيات الأحداث توظيفها يتطلب مجهودات كبيرة جدا وكفاءات قادرة على الاختراق،وإحباط معنويات العدو الذي يحاول دائما النيل منك بنشر المعلومات،ويجعلك في موقع رد فعل حتى يبين أنه قادر على استهدافك.

والملاحظ على اجتماعات المجلس الأعلى للأمن في الجزائر من خلال اعتماده على المعلومة بإعلان انعقاد المجلس،وباعتماد اللامعلومة عند نهاية الاجتماع،وهو ما أصاب الدول المعادية،والسفارات الأجنبية بالإحباط لعدم حصولهم على مخرجات الاجتماعات، مع توظيف مصطلحات وإشارات،وبيانات يفهما الجزائريين جيدا،وتجعل الأعداء في حرج كبير،وشك تظهر ردود فعلهم من الرفع من مستوى الشر ،وإظهار التحالف مع القوى الشيطانية من خلال إخراج الخبائث علنا ضد الجزائر،و أصاب هذا الأسلوب الكثير من القوى المعادية بالجنون لأن انعدام المعلومة لديهم سيفشل كل خططهم لاختراق الجزائر.

إن الحروب السيبيرانية الهجينة،وتجنيد العملاء والجواسيس،والاستنجاد بالتكنولوجيات الحديثة للحصول على المعلومات لم تعد كافية أمام الكثير من الدول،فعملية طوفان الأقصى نجحت بفعل مخططات المقاومة الفلسطينية إحكام قبضتها على المعلومة ،وتفكيك شبكات الجواسيس ما جع الكيان الصهيوني في موقع هش،كما أن المقاومة الفلسطينية وجدت في الجزائر أرض من محصنة من الاختراق عند عقد الاجتماعات والاتفاقات،عكس ما كان يحدث مع عديد القمم العربية التي كانت تمنح المعلومات للكيان الصهيوني، والأزمة الأوكرانية أظهرت فشلا في اختراق روسيا،والصين معلوماتيا،وباتت واشنطن تتوسل إبقاء قنوات الحوار مفتوحة،بعد أن أحكمت موسكو،وبكين عملية الغلق على المعلومة،وكشف شبكات الجواسيس والعملاء،ما أدى إلى تغيير المعطيات ميدانيا،وفوق ذلك تمكن الروس من ترجيح كفة الصراع،وإدارته إعلاميا،من خلال التسويق للنجاحات،وكشف إخفاقات أوكرانيا،والغرب في عديد المدن الأوكرانية،وتعطيل مختلف الأنظمة الغربية الدفاعية التي تم تزويد أوكرانيا بها.

لقد نجحت بريطانيا في بداية الأزمة الأوكرانية من توظيف الصور،والمعلومات عبر الأقمار الصناعية لكشف تحركات الجيش الروسي،وتموقعاته بطريقة دقيقة،ولكن احتواء الروس لورقة المعلومات فيما بعد،وحجب المعلومة غن الغرب جعلها تعود بقوة بعد بداية متعثرة.ولقد استفادت الجزائر كثيرا من إدارة الأزمات باكتساب تجربة مهمة في قراءة اتجاهات الأزمات،وتحليل ما بين السطور حتى لا تجد نفسك متسللا،أو مفعولا بك.

تحذيرات ؟

قامت الجزائر في وقت سابق بتحذير عديد الدول الصديقة على غرار  تونس من مخططات استخباراتية تستهدفها سواء من شمال المتوسط أو من الكيان الصهيوني،والمتتبع لتطورات الأوضاع في تونس يقف على حروب استخباراتية كبيرة لتوجيه الأمور لما يخدم أجندات أجنبية،أو إضعاف تونس إلى درجة إحداث فوضى كبيره جدا.

وحاولت الكثير من الأطراف التهكم على تحذيرات الجزائر،ولكن مع مرور الوقت أظهر أن تحذيرات الجزائر كانت حقيقة سواء بعد تهريب الرعية الجزائرية سميرة بوراوي من الاستخبارات الفرنسية عبر تونس،لإثارة الفتنة بين الجزائر وتونس ومنه استكمال إحاطة الجزائر بحزام ناري،وعزلها إقليميا ودوليا.

وحاول الإعلام الفرنسي خاصة آنذاك استغلال الرعية الجزائرية التي حضر لها بلاتوهات قبل وصولها لفرنسا لحشد الدعاية بين الجزائر،وتونس،ولكن الجزائر كانت منتبهة،وأمر السلطات الجزائرية معاملة الرعايا التونسيين على الحدود بطريقة عادية كرد فعل على المخطط الخبيث الذي كان يستهدف العلاقات القوية بين الجزائر،وتونس.

وظهرت المخططات المعادية للجزائر تحريض أطراف في ليبيا للتطبيع مع الكيان الصهيوني بعد تشريب صور ومحادثات في ايطاليا بين مسؤولين ليبيين،وصهاينة،ولولا أن الشعب الليبي ثار وأحبط المؤامرة لكانت الأمور قد أخذت مجريات أخطر،ولأن الجزائر متفطنة بكل المعلومات التي تدور في المنطقة يجب على الإعلام الجزائري أن ينخرط بشكل فعال في منظمة إدارة حرب المعلومات،من خلال استباق الأحداث ومتابعة مجربات الأزمات ومحاولة الربط عبر استنتاجات الاختصاصيين،واستشرافهم لاتجاهات السياسات الدولية،والإقليمية لتزويد دوائر صناعة القرار بالمعلومات التي من شانها تعزيز الأمن القومي.

منطقة الساحل..الإعلام مطالب باليقظة

 

تعرف جغرافيا منطقة الساحل تحولات خطيرة،حيث تخوض فيها الجزائر حروب إعلامية وأخرى متعلقة بالمعلومات فمنطقة الساحل جنوب الصحراء حيث تتصارع القوى الكبرى لتسويق مشاهد لانتشار جماعات إرهابية،دون أن تقترح حلولا تنموية فمنذ استقلال دول الساحل جنوب الصحراء في الستينات فالواقع التنموي زاد تخلفا بفعل السياسات الغربية التي تحجب معلومات المعادن النادرة التي تنهبها،ودور الشركات المتعددة الجنسيات في نهبها.

وتعتمد مقاربة الجزائر في هذه الحروب على مقاربات متكاملة  بالذهاب لشعوب الإفريقية،وإقناعها بضرورة لتصالح،والتغيير لفائدتهم،ولكن مساعي الجزائر  التي يتم رمي الورود لها عبر وسائل الإعلام،ولكن في الواقع يتم محاربتها من جهة للنيل من دول الساحل جنوب الصحراء،وفي سياق آخر حصار الجزائر ،وإحاطتها بحزام ناري يجعلها تهتم فقط بتأمين أكثر من 6400 كلم حدود برية ،وإبعادها عن محيطها العربي،والإفريقي.وفوق ذلك تعرف المنطقة بعض محاولات استعداء الجزائر من قبل أنظمة غير شرعية وبإيعاز من قوى عربية تتخذ من مخططات جهنمية خلق الفوضى والمشاكل بين دول الجوار بعد فضح الجزائر لأطماعهم،ونهبهم لخيرات إفريقيا بالتواطؤ مع قوى غربية امبريالية.

وبالتالي فأزمات واتجاهات الأزمات تعتمد على المعلومات،واستباق الأحداث،ولعل الكثير من الدول العربية والإفريقية هي ضحية انعدام الأمن المعلوماتي،وقابليتها للاختراق والتدخل الأجنبي الذي يذهب مباشرة إلى بنوك المعلومات والأرشيف ليسيطر عليها،ويعبث فيما بعد بالأوضاع الداخلية،ويوجهها لخدمة مصالحه،ويجعلهم أداة لضرب خصومه.

إن ما يحدث في السودان يدعو إلى التدبر فالأطراف السودانية،والمالية وفي النيجر ستكون  ضحية المعلومات المضللة التي زُودت بها من قبل ما يسمى حلفائها في الخارج،ما جعلها تنصاع لها بدلا من الإنصات للشعوب وبدأنا اليوم نسمع، عن الاختراقات وتوجيه الأزمة السودانية لتمكين عودة واشنطن إلى المنطقة،بعد التوغلات الروسية،ومحاولة خلق رأي عام مصطنع لقبول تواجد الميليشيات،والمرتزقة في إفريقيا،وهو ما حذرت منه الجزائر عبر مختلف القمم الإفريقية بأن الاختراقات الأجنبية وضعف الإصلاحات السياسية في إفريقيا والانقلابات،والوصول للسلطة بطرق غير مشروعة هو أسباب مآسي إفريقيا

فحرب المعلومات كبيرة لحسم الصراعات وما يحدث لفلسطين من إبادة ورغم اكتشاف مختلف وسائل الإعلام في العالم لحقيقة وعدالة القضية إلا أن حرب التضليل الإعلامي وتوجيه التغطيات على زوايا جعلت الصهاينة يتمكنون من اخذ وقتهم لتدمير غزة والفلسطينيين،وجعلت عديد وسائل اعلام عربية تتبنى السردية الصهيونية، وتعتم على جلسات محكمة العدل الدولية ومسيرات كبرى وسائل الإعلام العالمية.وبمرور الوقت لاحظنا تراجع الإعلام العربي عن التركيز على القضية الفلسطينية وجعلها في مقدمة الاهتمامات ،شأنها شأن المفاوضات في جدة السعودية حول السودان فهي مخترقة وجود الأمريكان،ومحاولة إيعازهم للكيان الصهيوني للتوسط،مع شيطنة تواجد روسيا والصين وإيران،في القارة السمراء ومختلف من طاق العالم ،مع تجنيد غير مسبوق للإعلام الأجنبي لرفع حدة الاحتقان بما يزرع صورة نمطية عن صفة الإرهاب والفوضى المرتبطة بالعرب والمسلمين والأفارقة ..فهل نحن منتبهون؟

 

إن الإعلام الجزائري مطالب برفع وتيرة الاحترافية،والانخراط في استراتيجيات حماية الأمن القومي الوطني الذي بات يمتد على جغرافيا متحركة وبعيدة جدا تقتضي الرقي إلى مستويات مختلف مؤسسات الدولة خاصة المؤسسة العسكرية،والدبلوماسية لأن أمن الجزائر اليوم ينطلق من أبسط مواطن إلى أعلى مسؤول في هرم الدولة ولكون وسائل الإعلام التي استفادت من قوانين إعلام مهمة لن يكون هناك مبررا من التراخي أو التحجج بعدم توفر الظروف لمجابهة مختلف الأخطار التي تأتينيا عبر ما يسمى “السماء المفتوحة”،والتي تعرف تدفقا للمعلومات بطريقة يصعب على العقل البشري تحليلها،وتصفيتها،وترك الرأي العام الوطني للاتجاهات الأجنبية فيه الكثير من المخاطر على الأمن القومي من خلال زرع مواقف جاهزة للرؤية لمختلف الأحداق ومنه الانصياع في ادني فرصة لتوجيهات الإعلام الأجنبي الذي وصل إلى مستويات خطيرة في التأثير من خلال استعمال التكنولوجية،وتوظيف الصحافيين من نفس مواطن الشعوب لجعل الرسالة تتسرب بطريقة ناعمة،ومنه تحضير الشعوب للفوضى وتبني المخططات المدمرة دون أن يشعروا؟

شارك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *