بقي الغاز دون أهميّة تذكر سنوات طويلة بعد الاكتشافات النفطيّة الكبرى التي أدخلت الاقتصاد العالمي في دورة انتاجيّة، تجاوز العصر الفحمي، بكثير على مستوى قدرة الإنتاج، ومن ثمّة مكانة الدول ضمن سلّم القوى الاستعماريّة، التي صارت تقيس وتربط مكانها بين الأمم ومكانة اقتصادها استنادًا إلى السيطرة على المحروقات عامّة، وكذلك السيطرة على خطوط نقلها.
بقي الغاز إلى مطلع سبعينات القرن الماضي «مادّة ثانويّة» أو هي «الرتبة الثانية» بعد مادّة النفط التي ارتفعت قيمتها إثر حرب أكتوبر وتحولّت إلى «أهمّ سلعة في العالم» حين تمّ ربط عمليات البيع بالدولار.
بفعل تراجع تقديرات المخزون العالمي للنفط، والتلوّث الكبير الذي يحدثه استغلال هذه المادّة، دون أن نُغفل ارتفاع الطلب، ارتفع مقام الغاز وتحوّل إلى «مادّة نبيلة» يوازي ما للنفط من قيمة، إن لم نقل تجاوزه، بفعل الحرب الدائرة في أوكرانيا وما نتج عنها من توقّف تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا.
من ذلك تنعقد القمّة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، في الجزائر بين 29 فبراير و02 مارس، وسط مناخ يشوبه الترّقب والانتظار، حين لا يزال السؤال قائما عن قدرة القمّة على تدوير الزوايا الحادّة، التي لا يزال بعضها يقف حاجزًا أمام سيولة هذه المادّة الاستراتيجيّة بين الدول المنتجة والدول الدول المستهلكة.
يتكّل كثيرون على الجانب الجزائري لتذليل الصعاب القائمة، حين أثبت هذا البلد قدرة كبيرة، حين فصل طوال خلافه مع اسبانيا، «الملفّ السياسي» عن «ملفّ الغاز»، بل أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أثناء لقاء مع جمع من الصحفيين أنّ الخلاف السياسي بين الجزائر العاصمة ومدريد، لا فعل له ولا أثر ولا قيمة له، حيال العقود التي تربط بلده بهذه الدولة الأوروبيّة.
وجب التذكير أنّ مفهوم «عدم التسييس» في الجزائر يعني كذلك رفض رفع الإنتاج ومن ثمّة الرفع في الكميات المصدرة، من باب تعويض النقص الذي مسّ الواردات الأوروبيّة من هذه المادّة الاستراتيجيّة.
الجزائر أكّدت أن بيع الغاز يتمّ من خلال عقود طويلة الأمد، تأتي إثر مفاوضات تأخذ ما يلزم من الوقت وليس تلبية لطلب مفاجئ يتمّ على إثره فتح الحنفيّة على مصراعيها.
الآمال معقودة كذلك على هذه القمّة للتقليل من تأثيرات التقلّبات السياسيّة القائمة كما القادمة، أو الأخطر من ذلك التي قد تهدّد مواقع الاستخراج أو مسارات النقل.
تأتي خصوصيّة مادّة الغاز أنّ النقل أصعب بكثير من الاستخراج، حين يكون الخيار بين أنابيب نقل يأخذ إنجازها سنوات طويلة وتكاليف جدّ عالية، وبين ناقلات الغاز المُسال العملاقة، التي تتطلبّ صناعتها سنوات عدّة، دون إغفال ارتفاع الكلفة قياسًا بالأنابيب.
من ذلك تأخذ عمليات التغيير في موازين الإنتاج وقتًا طويلا، وتخضع لاعتبارات جدّ سياسيّة أكثر منها تقنية.
مثال ذلك أنّ رسم خط الأنبوب الذي ينطلق من دولة نيجريا مرورًا بدولة النيجر، وصولا إلى الجزائر أين يرتبط بشبكة التصدير الجزائريّة، تبقى دون المرور إلى الإنجاز، بفعل الوضع السياسي المتقلّب سواء في ولة الإنتاج أو العبور…
كذلك سيحتلّ ملفّ «التحوّل المناخي» أهميّة كبرى في هذه القمّة، حيث نصّت عديد القمم الخاصّة بالبيئة على وجوب التخفيض من انبعاث مادّة الكربون في الجوّ، علمًا وأنّ هذا الملفّ، وإن كان محلّ إجماع شبه مكتمل على مستوى اعلان النوايا والمواقف السياسيّة على المنابر، إلاّ أنّ التحوّل الحقيقي، بمعنى الفعلي والفاعل، تبقى دونه حواجز عديدة. ممّا يفسّر تراجع عديد الدول عن التزاماتها.