ستنعكس العلاقات الجزائرية الموريتانية ايجابيا على تقوية الأمن القومي الجزائري حيث تسعى الجزائر في السنوات الأخيرة للتركيز على الجانب التنموي،والاقتصادي كأسس،وركائز لمجابهة مختلف التحولات المحلية،والإقليمية،والدولية.

وبعد القرارات والاستراتيجيات التي سُطرت محليا لهذا الغرض،رأت الجزائر في الاندماج الإقليمي مع ليبيا،وتونس،والنيجر،ومالي،وموريتانيا والبحث عن سيل التكامل الاقتصادي والتجاري من خلال مناطق التبادل الحر،والاهتمام بتنمية المناطق الحدودية،وجعلها رافدا ومؤسسات مهمة للتصدي لمختلف أسباب استهداف الدول،واختراقها،وجعلها هشة من خلال تحريض سكان المناطق الحدودية للالتحاق بالجماعات الإرهابية،ودفعهم لتجارة المخدرات،والتهريب،والاتجار بالبشر،وهي مختلف الآفات التي رأت الجزائر في مقاربتها بضرورة مرافقة الجوانب الأمنية ببرامج تنموية،واستثمارات،ومساعدات تمكن مختلف دول الجوار من معيشة كريمة،وظروف مناسبة تنأى بهم عن مختلف المخططات الاستخباراتية الغربية،وكبرى وسائل الدعاية لزرع أفكار التمرد،والانحراف واليأس الاجتماعي والاقتصادي.

تجاوب موريتاني…

تجاوبت موريتانيا مع الجزائر في نظرتها للتكامل الاقتصادي والتجاري بما يسمح للبلدين من التكامل والبحث عن فرص أخرى لتشجيع المبادلات الاقتصادية،وإنشاء منطقة التبادل الحر بين البلدين في ولاية تندوف الحدودية،وهي الخطوات التي سترتقي بالمنطقة وتنعشها أكثر وستتمكن الولايات المتجاورة الحدودية من خلق فرص شراكة،وتوأمة وستدفع منطقة التبادل الحر بين البلدين بعد تدشين المعابر الحدودية البرية،ووضع حجر الأساس للطريق الرابط بين تندوف الجزائرية،والزويرات الموريتانية عل  مسافة 755 كلم ،كلها عوامل مفيدة في سياق النظرة الإستراتيجية المستقبلية للمنطقة،وإفريقيا على وجه الخصوص فالجزائر بعد استكمال الطريق ستقترب من الأطلسي،كوجهة جديدة لصادراتها،وكذا دخول أسواق غرب إفريقيا التي يتواجد بها سوق بأكثر من 500 مليون نسمة ل 14 دولة،وهو ما سيكون محفزا كبيرا للمستثمرين،ورجال الأعمال من التواجد بقوة في المنطقة الحرة،واستغلال مختلف الامتيازات الاقتصادية كالإعفاءات الجمركية،والاستفادة من أسعار تفضيلية في الطاقة،والعقار الصناعي.

وتعول الجزائر على مناطق التبادل الحر التي تعمل على الرقي بها مع دول الجوار(مالي/النيجر/تونس وليبيا/موريتانيا) للتكامل مع منطقة التبادل الحر الإفريقية التي انخرطتنا فيها بصفة رسمية في 2021،والتي جاءت تتويجا لقرارات قمة “كيغالي” الإفريقية في 2018.

وتهدف الجزائر التي تسعى لتدارك التأخر في المبادلات التجارية البينية الإفريقية التي لا تتعدى 4 بالمائة من مجمل مبادلات التجارة الجزائرية مع العالم الخارجي.

ولم تتعدى الصادارت الجزائرية مع إفريقيا المليار دولار بعد،ولكن في السنوات الأخيرة تفطنت الجزائر،وأصبحت تضع الأسواق الإفريقية كأولوية خاصة وأنها سوق ب 1.4 مليار نسمة،ومبادلات تجارية ب 3000 مليار دولار وناتج محلي خام ب 2.7 تريليون دولار،وكون إفريقيا هي مصدر المواد الأولية،ومع دخول مناطق التبادل الحر حيز الخدمة ستستفيد الجزائر من امتيازات جمركية في سياق استيراد المواد الأولوية وخفض تكاليف الإنتاج،ومنه الوصول إلى الرقي بالصادرات التي تريد الجزائر الوصول بها إلى أكثر من 15 مليار دولار خارج المحروقات.

الاختراقات معرقلة ؟

وتأمل الجزائر مع إفريقيا التركيز على التجارة البينية التي لا تتعدى اليوم بيم الدول الإفريقية ال 15 بالمائة،وإذا توفرت الإرادة السياسية بين الدول الإفريقية فالخبراء يتحدثون عن إمكانية الوصول إلى مبادلات تجارية افريقية بينية في حدود ال 50 بالمائة ولكن ضرورة تجاوز عقدة التنافس الشرقي الغربي على إفريقيا خاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية،والصين وروسيا الذين يحاولون السيطرة والهيمنة على مقدرات الاقتصاد الإفريقي عبر الشركات المتعددة الجنسيات التي باتت شبه استعمار جديد للقارة الإفريقية.

حذرت الجزائر عبر الاتحاد الإفريقي الدول الإفريقية من أخطار الاختراقات الأجنبية التي تستهدف الاستقرار السياسي،حيث يتم تدبير،وتشجيع الانقلابات حتى تفتقد عديد الأنظمة الإفريقية للشرعية الشعبية أو شرعية الانتخابات التي تفضي إلى مؤسسات دستورية وعندها تتقوى السيادة ويتم التفاوض مع الدول بطريقة ندية،وبشرعية شعبية ولكن استمرار التعامل مع أنظمة انقلابية،ودون شرعية دستورية من شانه أن يقوض إنشاء المناطق الحرة حيث ستستغل الدول المخُترقة لإفريقيا على توتير الأجواء بين مختلف دول الجوار،لكسر كل محاولات التقارب الاقتصادي والتجاري وهي نفس العقلية التي بنت عليها القوى الغربية الفكر الاستعماري المبني على زاوية البحث عن أسواق جديدة للتوسع الاقتصادي.

 

والمناطق الحرة هي مناطق قد تجلب الاستثمار الأجنبي ونقل التكنولوجية،وتشجيع التكامل الصناعي،والتجاري والخدماتي من خلال فرض دفاتر شروط مقابل امتيازات فالمنطقة الحرة لا يجب أن تفهم التنازل عن السيادة السياسية والاقتصادية،بل هناك ضوابط وشروط تفرض احترام مصالح كل طرف دون تعسف أو تطرف في استغلال طبيعة هذه المناطق التي لديها أبعاد بعيدة عن الجانب التجاري والاقتصادي،فمراعاة أهمية تعزيز التنمية لتوفير الأمن،والقضاء على المشاكل الاجتماعية سيجعل الجميع يستفيد من هذه الخطوات التحفيزية من الدول.

وسيعزز التكامل الجزائري الموريتاني من فرص كثيرة في المجالات التي يبرز فيها البلدين فموريتانيا معروفة في إنتاج الذهب،والحديد،والصيد البحري،والجزائر حققت طفرة في المجالات الفلاحية والنفطية،ومشتقاتها ما سيفتح المجال واسعا لتطوير المبادلات التجارية التي قد تصل إلى أكثر من مليار دولار على المدى المتوسط،وتجاوز الإحصائيات الحالية التي تطورت في وقت قصير بأكثر من 300 في المائة حيث انتقلت من 40 مليون دولار إلى أكثر من 200 مليون دولار.

ونجحت الجزائر لأول مرة في تاريخها من فتح فروع بنكية خارج حدودها كمحفز للمستثمرين لتسريع تحويل أموالهم،وضمان مرونة في نقل الاستثمارات وتمويلها بطرق رسمية بعيدا عن تبييض الأموال،والجرائم المالية .

 

المستثمرون وتجاوز السلبية؟

 

إن الخطوات السياسية لتهيئة مناخ الأعمال والبيئة الاقتصادية الملائمة يتطلب جرأة ومخاطرة من المستثمرين من خلال الاندماج في الحركية الاقتصادية والذهاب الى مختلف المناطق الحرة الجزائرية للاستثمار واستغلال الفرص،وعدم الاكتفاء بالجلوس في المدن الكبرى،وقتل الاقتصاد بالشكاوى والمطالبة بالاستفادة بالمجان من العقار الصناعي ومختلف الخدمات،وطلب الإعفاء الضريبي،وغيرها من السلبيات التي تطبع صراحة على عديد المستثمرين الذين اكتشفوا أنهم متأخرين بالمقارنة مع عديد الدول التي اقتحمت إفريقيا منذ خمسينيات القرن الماضي وباتت تشكل امتدادا للأمن القومي لدولها الأصلية.

وبالتالي فانتظار أن تقوم الدولة بكل شيى هذا خطأ جسيم لأن خدمة الأمن القومي يجب أن يكون فرضا وليس خيارا.

شارك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *