تعرف الحرب على غزة تلاقي الكثير من الحروب بين التقليدية،والهجينة والعصرية والمتطورة والخاصة بالذكاء الاصطناعي في مشهد رهيب

يعكس تكامل مختلف المؤسسات في مواجهة الأزمات،وإدارتها،والسيطرة عليها،والأخطر من ذلك كيفية تشكيل الرأي العام،

وتوجيهه وفقا لأهداف ورغبات كل طرف في الأزمة.

وما يلفت الانتباه الحرب الإعلامية الكبيرة من خلال الصدام بين المراسلين الذي يعملون في قطاع غزة لمختلف الفضائيات خاصة منها العربية،

وكذا بين مختلف الصحف الالكترونية الأمريكية التي تحتكر المعلومات الصادرة من واشنطن كصانعة للقرار العالمي،ودورها الكبير في إدارة

الأزمة وتوجيهها لما يخدم مصالحها،ومصالح الكيان الصهيوني،ومن جهة أخرى للظهور بمظهر الذي يسعى لتمكين الفلسطينيين من حقوقهم

كورقة انتخابية للديمقراطيين في الرياسيات القادمة.
وبرزت عائلة المراسلين الفلسطينيين لمختلف القنوات العالمية العربية والأجنبية كرقم مهم في إدارة الأزمة،وقلب الموازين الصراع الفلسطيني الصهيوني،

من خلال انتقال المراسل الحربي في غزة إلى موثق للجرائم،وأداة لمختلف الحقوقيين في العالم لتشكيل ملفات قانونية استندوا عليها لإدانة الكيان الصهيوني

وجره إلى مختلف المحاكم الدولية خاصة محكمة العدل الدولية بلاهاي.

إن الفريق القانوني لجنوب إفريقيا تمكن من جمع 85 صفحة على أعلى مستوى من وسائل الإعلام مكنته من كسب القضية في المستعجل بعد القرارت التي

أصدرتها المحكمة(نهاية جانفي 2024)،والتي فرضت شروطا على الصهاينة خاصة ضرورة حماية المدنيين،وتسهيل دخول المساعدات وتقديم تقرير شهري

حول الأوضاع في قطاع غزة.

عندما يصل عدد الصحافيين المغتالين من قبل الكيان الصهيوني إلى 136 بين صحفي وتفني( في 174 يوما حتى 30 مارس 2024) في غزة،وجنوب لبنان

نتأكد أن المراسلين الحربيين قد قهروا الكيان الصهيوني في الحرب الإعلامية،وفجروا (كبينيت الإعلام الصهيوني وجهاز دعايته) فالسردية الفلسطينية التي

كانت مدعومة بفيديوهات المقاومة عن العمليات البطولية في مختلف أنحاء غزة،وإجهازها على القوات الصهيونية،وكذا الخطابات الإعلامية لأبو عبيدة ،

وتحليلات فايز الدويري الخبير العسكري،والاستراتيجي الذي تمكن من إحباط معنويات الصهاينة،وكشف أكاذيبهم،عبر مختلف الندوات الصحافية التي تداول

عليها مختلف المسؤولين العسكريين والمدنيين الصهاينة.
تأثير السردية الفلسطينية.
تمكنت الصحافة الفلسطينية من قلب موازين الصراع العربي الصهيوني منذ عملية طوفان الأقصى،وظهر التفوق في حجم تأثير السردية الفلسطينية

في الرأي العام العالمي وخاصة الأمريكي الذي خرج في مسيرات مكثفة ضد البيت الأبيض،وانحيازه للكيان الصهيوني وباتت الورقة الفلسطينية أهم

ملف سيفصل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر المقبل،خاصة بعد حديث المترشح العائد “دونالد ترمب” لصحيفة “إسرائيل هيوم” الصهيونية

بأنه سيوقف الحرب على حزب غزة بالضغط على الكيان الصهيوني وهو ما جعل الديمقراطيين في هستيريا كبيرة دفعتهم للامتناع عن إحباط مشروع قرار يدعو

لوقف فوري لإطلاق النار في شهر رمضان (الاثنين 25 مارس 2024)،وهو نفس تاريخ إجراء ترمب للحوار الصحفي.
لقد حركت السردية الفلسطينية سواء من وسائل اعلام فلسطينية أو المراسلين الذين يعملون لمختلف وسائل الإعلام العالمية الرأي العام لعالمي

من خلال المسيرات المليونية التي حققت اختراقا كبيرا خاصة على مستوى الأنظمة الأوروبية التي أوقفت تهجماتها عن حركة حماس ووصفها بالإرهابية،

وانتقلوا للتنديد بهمجية الكيان الصهيوني تماشيا مع مواقف شعوبهم التي باتت مؤثرة خاصة في ظل سقوط الأقنعة عن الأوهام الصهيونية

التي بنتها “كبينت الإعلام” منذ 1948 من خلال الترويج للكيان الصهيوني بأنه الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ،

وبان العرب والمسلمين يكنون له العداء لتفوقه،ولكن العالم اليوم اكتشف أن السردية الصهيونية مجرد أوهام تراثية مزيفة ملفقة بعقيدة صهيونية فاسدة

يستغلها نتنياهو لتبرير الهمجية والارهاب .

لقد رد معهد “غالوب” الأمريكي المختص في سير الآراء أن الرأي العام الأمريكي تراجع كثيرا في تأييد الصهاينة،وخاصة على مستوى الحزب الديمقراطي،

إلى أكثر من 73 بالمائة معارضين لهذه الهمجية الصهيونية،مع التأكيد على ضرورة فرض شروط على توريد الأسلحة للكيان الصهيوني.

لقد تشجعت ايرلندا في السير على خطى جنوب إفريقيا لمتابعة جرائم الكيان الصهوني،وفوق ذلك انخرطت ايرلندا واسبانيا،وسلوفينيا،ومالطا

في عملية التحضير للاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة بعضوية دائمة في الأمم المتحدة كرد فعل على العنجهية الصهيونية وتصحيح معالجة

القضية الفلسطينية التي استغلها الكثير سواء من الغرب أو من العرب والمسلمين لتحقيق مصالح ضيقة.

الإعلام الأمريكي والهيمنة؟
برزت الصحف الالكترونية الأمريكية في الهيمنة،والسيطرة على مصادر الأخبار المتعلقة بالمفاوضات،والوسطات حيث لا يخلو خبر قادم

من الأطلسي إلا،وحمل معه نقلا عن “أوكسيوس الذي تأسس في 2016” أو “مونيتور المؤسس في 2012″،

ودون إغفال الصحف الورقية “الواشنطن بوست” أو ” الوول ستريت جورنال” أو “نيويورك تايمز”،وحتى صحيفة “بوليتيكو” حيث هيمنت على

أكثر من 90 بالمائة من أخبار المفاوضات،والوساطات في القضية الفلسطينية،والسبق في إجراء الحوارات مع الشخصيات الأمريكية المؤثرة،

وحتى الصهيونية منها ما خلق حربا غير معلنة بين السردية الفلسطينية،والسردية الصهيو-أمريكية سواء لتوجيه الرأي العام من خلال تبرير همجية

الكيان الصهيوني،أو التستر على الجرائم والتأخر في التطرق إليها على أن تكون طريقة تناولها مضللة،وتخدم السردية الصهيونية مع محاولة تشتيت

الرأي العام العالمي بإدماج بعض التغطيات مع مواضيع أخرى حتى لا يكون هناك تركيز على إدانة الكيان الصهيوني،ونجح الأمريكان في ذلك من خلال

منح الوقت الكافي لنتنياهو من أجل تدمير كامل غزة،ورد الاعتبار لشخصه بعد نكسة وهزيمة 7 أكتوبر،ويجاري الإعلام الأمريكي الأزمة،والسيطرة على الأخبار

من خلال تعددها،وتناقضها في مخطط استراتيجي جعلت كل وسائل الإعلام العالمية تنتظر ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من تصريحات لتنقلها في

تبعية رهيبة جدا،ودون أن تشعر الكثير من وسائل الإعلام وجدت نفسها تنقل السردية الأمريكية،وتصدقها،بالنظر لانفرادها بالأزمة التي تحدث في الشرق الأوسط،

وعدم قدرة مختلف وسائل الإعلام العالمية مسايرة واشنطن في الحرب الإعلامية بالنظر لقوتها الدبلوماسية،والعسكرية التي تصنع قوة الإعلام،فالمتابع لنشاط

مجلس الأمن أو الأمم المتحدة أو الزيارات الميدانية للشرق الأوسط لا شيء يعلو على صوت واشنطن،وشد الرأي العام عن مخرجات الزيارات بالأخص التي يقوم بها

أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكية.
وبين طموحات الرئيس الأمريكي “جو بايدن” الانتخابية،ومكر نتنياهو في الحفاظ على استمراريته سيطر الطرفان على أهم القصص الإخبارية الأمريكية،

وتمكنوا عبر التسويق للأزمة من وجهة نظرهم بتوجيه الرأي العام إلى المفاوضات التي يستغلها نتنياهو لربح الوقت والتلاعب بإرسال الوفود للتفاوض،

والتقليص من صلاحياتها،ودعوتها للانسحاب مرات أخرى مع توجيه اتهامات في كل مرة بان حركة حماس هي من تعطل المفاوضات.
والجميع يلاحظ كيف نجحت واشنطن في حصر القضية الفلسطينية،وما يحدث في غزة في قضية المساعدات الإنسانية،والتسويق لصورة واشنطن،

وهي تلقي بالمساعدات جوا وكان الأمر ينتهي هنا،أو هو عبارة عن رسائل للدول التي تنوي تحدي أمريكا بان الأمور ستنتهي عليها مثلما يحدث حاليا في قطاع غزة.

وعادت أهمية الإعلام بقوة في عملية طوفان الأقصى من خلال الحرب النفسية،والدعاية المضادة،وصناعة الرأي العام وهو ما برزت فيه المقاومة

الفلسطينية من خلال الترويج لطوفان الأقصى بطريقة منقطعة النظير جعلها ترجع القضية الفلسطينية من الباب الواسع سواء للمنابر

الإقليمية أو الدولية أو على المستوى الشعبي،رغم بعض المكاسب الصهيونية في بداية طوفان الأقصى من خلال جلب بعض الأوروبيين لإدانة حركة حماس،

ولكن بمرور الوقت تبين أن الصهاينة أكبر من أن يكونوا ضحية لتنقلب حملات دعم الصهاينة إلى حملة عالمية لمناهضة الصهاينة وكان للإعلام دورا كبيرا

في تغيير الرأي العام وخاصة المراسلين من داخل قطاع غزة .

وعليه فالإعلام اليوم قوة أكثر من النووي من خلال ربط الإعلام بدوائر صنع القرار،والدبلوماسية،ومختلف الدوائر ليكون في الموعد والقوت المناسب

سواء للدفاع أو الهجوم لخدمة الأمن القومي والمصالح العليا للجزائر والحلفاء.

 

شارك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *