فرضت التحولات الجيواستراتيجية على القارة الأوروبية إعادة النظر في شركائها الطاقويين فبين عسكرة المسالك البحرية التجارية،وابتزاز الولايات المتحدة الأمريكية برفع أسعار الغاز المسال المُصدر للاتحاد الأوروبي،واستمرار الأزمة الأوكرانية عبرت ألمانيا عبر نائب المستشار الألماني وزير الاقتصادي وحماية المناخ”روبرت هابيك” في زيارته مؤخرا للجزائر عن سعي ألمانيا لرفع مستويات التعاون مع الجزائر في مختلف الطاقات المستقبلية خاصة الهيدروجين الأخضر.

ودفعت عسكرة المسالك البحرية التجارية الدولية إلى تغيير معايير اختيار مُوردي الغاز عبر العالم. ففي الوقت الذي ترتفع فيه حدة التوترات في البحر الأحمر،وقبلها في القرن الإفريقي وباب المندب،وإمكانية انتقال التوترات إلى مسالك أخرى،حولت عديد الدول المستوردة للغاز إلى تغيير استراتيجيات استيرادها،وتجاوز النظرة النمطية السلبية المبنية على الحلفاء القريبين في العقيدة الإيديولوجية،والمواقف المساندة،فاليوم تعود الورقة الأمنية والمضمونة للتزود بما تحتاجه الدول بغض النظر عن الاتجاهات.والتوجهات السياسية،وه الأمر الذي سيخدم الجزائر كثيرا،وسيرفع من تواجدها في مختلف الأسواق المتعلقة بالنقط والغاز،وكذا الطاقة المستقبلية النظيفة.

وستكون قمة الدول المصدرة للغاز التي ستحتضنها الجزائر بين 29 و 02 مارس تحول نوعي في لاعبي سوق الغاز في العالم،فالمتغيرات الجيواستراتيجية مكنت الجزائر من العودة بقوة في مجال الشراكات والاستثمارات.وتحدث المسؤول الألماني عن سعي ألمانيا للشراكة مع الجزائر لمرحلة ما بعد الغاز مثلما تحدث عنه مع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.

وجاءت زيارة “روبرت هابيك” للجزائر في ظل ظروف خاصة تمر بها أسواق الطاقة وكذا إقبال الجزائر على احتضان القمة السابعة للدول المصدرة للغاز”.وهو الأمر الذي سبقته زيارات كبيرة للجزائر من قبل عواصم أوروبية للتعبير عن رغبتهم في رفع حصص تزودهم بالغاز الجزائري،وضمان شحنات خاصة ب”بالأمونيا الخضراء”-( هي طاقة تتولد من تفاعل النيتروجين مع الهيدروجين الأخضر الناتج من طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية،وتستعمل بالأمونيا الخضراء في إنتاج الكهرباء،ووقود نظيف للشاحنات،وسفن الشحن لمسافات طويلة،وكذا كسماد للفلاحة )،والهيدروجين الأخضر ( هو نوع من الطاقة يستخرج خاصة من الطاقات المتجددة الرياح،والطاقة الشمسية،يوفر طاقات هائلة مع قلة الانبعاثات الكاربونية،ولكن يكلف 3 أضعاف إنتاج الطاقة الأحفورية)- تحسبا لمرحلة ما بعد الغاز،والتي ستكون حسب المسؤول الألماني بعد 15 و 25 سنة.

وعليه فالمانيا ستعقد شراكة مهمة مع الجزائر في مجال الطاقة المستقبلية أو مرحلة ما بعد الطاقات الأحفورية،وتعول ألمانيا على مشاريع الطاقة المشتركة بين الجزائر،وايطاليا عبر مشروع “غالسي” لتجسيد مشاريع كبيرة عبر وصوله إلى ألمانيا عبر النمسا،والاستفادة من الغاز،والآمونية،والكهرباء ربما مستقبلا بالنظر لتفاهم الجزائر مع ايطاليا لن تكون روما لتصدير الغاز,ومختلف الطاقات الجزائرية إلى مختلف دول أوروبا الشرقية،والمتواجدة على بحر “الأدرياتيكي”لخلق عالم طاقوي جديد.وثمنت ألمانيا دور الجزائر بعد تمكنها من رفع إمدادات الغاز نحو عديد الدول الأوروبية بعد اندلاع أزمة أوكرانيا.

 

وتأتي خطوات التقارب الألماني الجزائري بعد تردد كبير من كبرى الشركات المتعددة الجنسيات التي غادرت الجزائر،وترددت في العودة إلى الجزائر بعدما الهجوم الإرهابي على محطة “تيقنتورين” في 2013  ولكن دخول مؤشرات جديدة على السوق الطاقوي،ورغبة ألمانيا،والاتحاد الأوروبي في الانتقال من استغلال الطاقات الأحفورية إلى ما بعد الطاقات الأحفورية وهدا في غضون 15 و 25 سنة المقبلة .فوزير الاقتصاد الألماني عبر من الجزائر عن مشروع ألماني لإنشاء محطات صناعية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، منزوع الكاربون من خلال استعمال طاقة الرياح والطاقة الشمسية .وأكد أن الاستفادة من مشاريع الجزائر للغاز،والطاقات الأخرى مهم جدا  موضحا أن ألمانيا و الجزائر لديهما إمكانيات كبيرة للتكامل بتطوير البنية التحتية،وخلق بيئىة مربحة لخلق الثروة وضمان الازدهار للوصول إلى سياسة طاقوية تراعي مصالح الجميع.

 

مشروع “ديزرتك” …الحلم يعود؟

 

قد تدفع التحولات العالمية في مجال الطاقة إلى إعادة إحياء مشروع “ديزرتك” لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية،وهذا بالنظر لعديد المؤشرات التي تصب في صالح الجزائر،والاتحاد الأوروبي،وتوفر شروط التجسيد الآني لمنقذ أوروبا من الظلام والاضطرابات فعوامل قرب الصحراء الجزائرية من الشمال (300 كلم) يعتبر إحدى أهم المعطيات المهمة لتجسيد المشروع الذي تضاربت الآراء حول أسباب تجاهله أو عدم أخذه بالجدية اللازمة.

وحتى مشكل التمويل الذي كان مطروحا بفعل تحدث الدراسات عن 450 مليار دولار تكلفة إنتاج ولكن الجزائر بإمكانها التفاوض مع الأوربيين، للبحث عن صيغ توافقية تراعي حقوق الجزائر،ومصالح أوروبا ولو باللجوء إلى القروض،والتباحث عن الأسعار،وغيرها من المعاملات التي تبقى من اختصاص الخبراء فقط، يجب التفاوض جيدا وإقناع الأوربيين بجدوى الاستثمار.

وما يزيد من احتمالات عودة المشروع هو نجاح تجارب الجزائر مؤخرا  في مناطق من الوطن،من إطلاق مشاريع الطاقة الشمسية، التي ستكون عاملا مهما لإنتاج الهيدروجين الأخضر.ومشروع “ديزرتك” في الجزائر محل اهتمام كبير من دول وشركات عالمية بالنظر لمردوديته الكبيرة اقتصاديا على الجزائر، والاتحاد الأوروبي وسيكون بديلا جيدا عن المحروقات. كما أن رهانات أوروبا لتوفير الكهرباء ستتركز على الطاقة الشمسية والجزائر ستكون أحسن خيار لها لتوفيرها.

وستستفيد الجزائر من هذا المشروع الضخم من خلال توفير الطاقة محليا،واستحداث مناصب عمل وثروة،وتشجيع الصادرات خارج المحروقات. وعلى المدى الطويل سيعود المشروع على الجزائر بعائدات مالية ضخمة جدا مهما بلغت تكاليفه، كما سيكون محطة لجلب مستثمرين أجانب لتجسيد “ديزرتك” الذي سيجعل من التنمية في الصحراء الجزائرية تتطور بسرعة كبيرة،ومنه تحقيق توازن جهوي وتخفيف الضغط عن الشمال، كما أن توفير الكهرباء سيطور كثيرا قطاع الفلاحة في الصحراء ويجعله رائدا في هذا المجال”.

ومن مغريات المشروع هو أن الجزائر تمتلك نوعية من الطاقة الشمسية هي الأحسن عالميا من حيث التركيبة وهو ما يمكنها من رفع النوعية والاستجابة للمعايير العالمية.ومن امتيازات المشروع الحلم هو الحفاظ على سلامة البيئة، فهذا الشرط بات مرجحا لكفة الاستثمارات، في ظل تصاعد الاحتجاجات ضد الاعتداءات على البيئة، مثلما حدث مع الغاز الصخري.

وأصبح الاهتمام بالصحراء الجزائرية يزداد يوما بعد آخر،حيث اهتدت أوروبا إلى الاستثمار في الصحراء الجزائرية في مجال الطاقات البديلة، في صدارتها الطاقة الشمسية، لتأمين تزودها بها بعد 2030، خاصة في ظل بروز الكثير من المؤشرات التي توحي بزوال الثروة النفطية، وازدياد الطلب على الطاقة مستقبلا، في ظل النمو السكاني القياسي الذي تعرفه المعمورة.والتغيرات المناخية وكثرة المشاكل في المسالك البحرية التجارية الدولية.

وستكون الولايات الصحراوية المستفيد الأكبر من هذا المشروع، الذي لا يزال محط اهتمام الكثير من الدول، خاصة إيطاليا، الولايات المتحدة الأمريكية،وألمانيا ودول أخرى ترغب في التمويل لتستفيد هي كذلك. بالموازاة مع ذلك، سيجعل هذا المشروع ولايات الجنوب الجزائري قبلة سياحية،ومدنا للطاقات البديلة النظيفة التي تعتبر أهم العوامل لجذب سكان ومشاريع جديدة.

وقد أعربت الجزائر،وألمانيا في 2010 عن رغبتهما في الدفع قدما بتنفيذ مشروع “ديزرتك” لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في صحارى شمال أفريقيا وتصديرها لأوروبا. وأكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل،آنذاك للسلطات الجزائرية في برلين، أن لبلادها اهتماما كبيرا في تحقيق برنامج “ديزرتك” لاستغلال الطاقة الشمسية بشمال أفريقيا.

وكانت الوكالة الفضائية الألمانية قد أعلنت، عبر موقعها الإلكتروني، عقب دراسة حديثة أجريت من قبل خبرائها في 2013، أن الصحراء الجزائرية هي أكبر خزان للطاقة الشمسية في العالم، حيث يدوم سطوع الشمس في الصحراء الجزائرية 3000 ساعة إشعاع في السنة وهو أعلى مستوى لسطوع الشمس على المستوى العالمي.

واقترحت الوكالة، آخذة بالحسبان هذا المعطى، على الحكومة الألمانية إقامة مشاريع استثمار في الجنوب الجزائري لإنتاج كميات هائلة من الكهرباء في الصحراء ونقلها إلى ألمانيا وأوروبا عبر كابل بحري عبر إسبانيا.

وقدرت مصادر من وزارة الطاقة، أن الكميات الهائلة من الكهرباء التي يمكن إنتاجها في الصحراء الجزائرية يمكن أن تغطي 50 مرة احتياجات القارة الأوروبية كليا من الطاقة التي تستهلكها سنويا.

ودخلت الكثير من الدول على خط منافسة الجزائر في هذا المشروع. ففي مؤتمر عقد بميونيخ الألمانية في جويلية 2013، أعطى إشارة الانطاق في التخطيط لمشروع عملاق يهدف لاستغلال الطاقة الشمسية المتوفرة في صحارى بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط ونقلها إلى البلدان الأوروبية. وتشارك فيه عدد من كبريات الشركات الأوروبية، بينها شركة “آزيا براون بوفري السويسرية – السويدية”.

 

شارك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *