عندما نجري مسحًا تاريخّيا لنمط العلاقات الرابطة بين أي دولتين متجاورتين ضمن الفضاء العربي، نجد أن الحالة التونسيّة/الجزائريّة تأتي الأفضل بجميع المقاييس، ومن الأكيد لا قياس بحالات راهنة أو سابقة.
على المستوى التاريخي، كما شكّلت تونس بوّابة الجزائر على المشرق العربي، مثّلت الجزائر العمق المغاربي (نسبة إلى المغرب العربي) وكذلك الصحراوي لتونس.
عندما نعلم أنّ الجزائر تولي أهميّة استراتيجيّة لحدودها الممتدة على آلاف الكيلومترات، تأتي الحدود مع تونس «شديدة الهدوء» عند مقارنتها بالبقية، مع العلم أنّها الأكثر نشاطا مقارنة مع نظيراتها، سواء على مستوى انتقال المسافرين في الاتجاهين، أو تبادل السلع سواء عبر المعابر الرسميّة أو التهريب كذلك.
اليقين قائم، أنّ لا علاقات بين بلدين، مهما تكن مكانة كلّ منهما ومكانها على مستوى العالم، في قطيعة مع المعطى الاقليمي وتجاوز للبعد الدولي
نجد عندما نسلّط الأضواء على العلاقة بين كلّ من تونس والجزائر، تقاطعا على مستوى المواقف الرسميّة يكاد يصل حدّ التطابق أحيانًا.
تأتي الدعوة الرسميّة التي وجّهها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون إلى نظيره التونسي قيس سعيّد، ليكون «ضيف شرف» على قمّة الدول المنتجة للغاز، حمّالة لقراءات عدّة :
على المستوى الدولي، وقياسًا مع أهميّة هذه القمّة وسط وضع شديدة التقلّب على مستوى الطاقة عامّة والغاز خاصّة، تأتي الدعوة هامّة في ذاتها، أيّ أنّ مجرّد الإعلان يمثّل دليلا على المكانة التي تريد الجزائر أن تضع فيها صورة العلاقة بين الدولتين، وأيضًا، والأمر لا يقلّ أهميّة، الصورة المقدّمة عن هذا البلد الجار (أي تونس) الذي سيستفيد حتمًا أو بالأحرى يمكنه الاستفادة من النافذة التي تفتحها القمّة أمامه.
وسط مجال إقليمي سمته التوتّر على حدود كلّ من البلدين مع بقية البلدان، تجد الجزائر كما تونس، نفسيهما على اتفاق تام، سواء من باب علاقة الجوار الضاربة في أعماق التاريخ أو المصلحة الجامعة في ذات القارب، أنّ ضرورة دفاع هذا عن ذاك، مهما تكن التحديات.
تبقى المناطق الحدوديّة بين البلدين نقطة تستحقّ مزيد العمل سواء على مستوى الاستثمارات التي وجب أن تشمل الجانبين، أساسًا من أجل قطع دابر آفة التهريب التي تمثّل الأرضيّة الخصبة لنشوء الإرهاب وانتشار الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
ملفّات عديدة تستحق النظر وتستوجب المتابعة، بين جزائر تسعى إلى تحرير متسارع لاقتصادها من عبقة المحروقات عامّة، وهي تعوّل في ذلك على مزيد الاستثمارات في القطاعين العام أو الخاص، وكذلك في حاجة يدّ عاملة ذات كفاءة مرتفعة ودربة أكيدة. هذه اليد العاملة بدأت تفد على الجزائر في جانب منها، من تونس، حيث ينتشر على المستوى القطر الجزائري قرابة ربع مليون تونسي، يشكلون دعمًا أكيدا لاقتصاد في طريق النموّ، وتلبية لقدرة شرائيّة ترتفع هي الأخرى.
هذه الشراكة الاقتصاديّة التي انطلق فيها أفراد، بمعزل عن العلاقات في بعدها السياسي، خفّفت من عبء البطالة وأحدثت حركيّة على مستوى التبادل التجاري بين البلدين، حين يعاود المواطن التونسي بلده حاملا سلعًا اقتناها من الجزائر.
كذلك تلعب السياحة في الاتجاهين دورًا وأكيدًا على مستوى إيجاد مواطن شغل في البلدين، سواء سياحة التسوّق واقتناء سلع من مناطق في الجزائر، يوفّر العود بها إلى تونس ربحًا أكيدًا، في مقابل سياحة جزائريّة في تونس جاءت موسميّة بمناسبة العطل.
هذا التبادل الاقتصادي القائم أكثر على المقايضة، أيّ صرف عملة هذا البلد في البلد الثاني، خارج السوق الرسميّة، يحتاج إلى إطار قانوني يدفع من خلال التحفيز وكذلك يمنع عبر الضرب على أيدي المخالفين، ما يدفع الجميع، أو الأغلبيّة إلى الدخول تحت طائلة القانون.
من الأكيد وما لا يقبل الجدل أنّ الزيارة التي يؤدّيها الرئيس التونسي قيس سعيّد لن تمكّن من درس هذه الإشكاليات بدقائق أمروها، لأن الزيارة ذات بعد بروتوكولي أكثر منها لفتح الملفّات جميعها، وثانيا أنّ هذه الملفّات مثل العشرات من أمثالها هي على مكاتب الوزراء الذين من مهامهم ومن واجبهم العمل من أجل تذليل المصائب أمام شعبين ارتفعت بينهما نسبة الأعراس بين الجانبين في تناغم يتجاوز الراهن ويقفز فوق العوائق.