يلتئم منتدى الغاز في الأيّام القادمة، بالجزائر ، و هو موعد استراتيجي لتفعيل الدّور الذي تريده الجزائر لنفسهــا و تأكيد للمكانة التي تكون قد تحصّلت عليها بفعل تضافر عوامل عدّة عليها مدار هذه المقالة الجامعة بين الحديث عن المنتدى و أهمّيته، باعتبار عامل الزّمن، ثمّ الاستفادة الجزائريّة منه بمرجعية مؤشّري الدّور و المكانة، حاليا و على المديين المنظور و المتوسّط.
ينعقد المنتدى في فترة حرجة تتّسم بعدم اليقين بشأن الكثير من المعطيات المتّصلة بالانتعاش الاقتصادي العالمي جرّاء تداعيات جائحة كوفيد 19 ثمّ الحرب في أوكرانيا حيث اجتاح العالم عدّة إشكالات اقتصادية لعلّ أهمّها، على الإطلاق، موجة التضخم الكبيرة، إشكالية سلاسل التّوريد خاصّة في جانبها الطاقوي ثمّ احتدام الصّراع على هرمية نظام عالمي في طور إعادة التّشكيل و هي كلُّها عوامل تحتاج إلى إدراك جديد للأدوار و محاولة تحيُّن الفرص لإيجاد مكانة يمكن، من خلالها، الوصول إلى تحقيق مكاسب تُجسّد طموحات بلدان عديدة و الجزائر من بين تلك البلدان، على عدّة مستويات، جيوسياسيا و جغرافيا، في شمال إفريقيا، في المتوسّط الغربي، في المنطقة السّاحلية- الصّحراوية و، شمالا، نحو الضّفة الأخرى للمتوسّط، مع الاتّحاد الأوروبي.
من بين أهداف المنتدى، حتما، بناء منظومة دولية لسوق الغاز تحاكي أوبك النّفط لتحقيق أهداف كثيرة منها ما هو متصل بأمن الطاّقة (أمن النّقل، أمن التدفُّق المستمر و أمن السّعر العادل) و منها ما هو متصل بالاستفادة من منتدى الغاز لتحقيق مكاسب سياسية و اقتصادية حيوية تسعى إليها البلدان المشاركة التّي، للذّكر، تتشرّف الجزائر لاستقبالهم، للمرّة الثّانية في إطار هذا المنتدى تأكيدا على الدّور الجزائري في أوبك+ و نقلا له، في إطار هذا المنتدى، إلى السّلعة التّي تحوز عليها الجزائر و بطاقة كبيرة (احتياطي و إنتاج،) و هي الغاز.
تيقّنت البلدان الأوروبية، على خلفيّة الحرب في أوكرانيا، بأنّ أمن الطّاقة، من الجانب الرُّوسي، سيكون لها كلفة كبيرة خاصة بعد إقرار الحظر من جانب الغرب على الغاز الرّوسي، في محاولة لتطويق المجهود الحربي لموسكو، ممّا جرّ بها (دول الاتّحاد الأوروبي) إلى البحث عن بدائل يمكنها توفير الغاز و بمؤشرات أمن الطّاقة المشار إليها مضافا إليها عامل الوثوقية من احترام التعهدات و الحفاظ على التّوريد المستمر و هو ما وجدته لدى الجزائر التّي عوّضت، في إطار ما تسمح به إمكانياتها الإنتاجية و قدراتها على التّصدير، روسيا و استطاعت أن تكتسب رهان أمن الطّاقة دون أن تتعثر في أيّ من مؤشّراته و هو ما أكسبها تلك الوثوقية و استطاعت، معه، تأكيد دورها المحوري، في الجوار المتوسطي الغربي، لتوريد الطاقة و العمل على أن يستمرّ الاقتصاد الأوروبي من العمل دون انقطاع بالرّغم من الظروف العالمية المعقّدة التي مرت بها المنطقة و الاقتصاد العالمي، عموما، جرّاء ما حدث في الأعوام السّابقة (الجائحة ثمّ الحرب في أوكرانيا، بصفة خاصّة).
بالنسبة لرهان الدور، فان الجزائر، بتجسيد تلك الوثوقية، أضحت فاعلا مهما في السوق العالمية للغاز و يحق لها الحديث عن ما يحيط الغاز (تماما، ما تفعله في سوق النفط، داخل أبك+) من إشكاليات متصلة بالاستكشاف، الاستخراج، النقل، السعر إضافة إلى العوامل اللوجستية على غرار الظروف الأمنية لتأمين التوريد و التّسعير العادل الذّي يسمح بالاستمرار في أداء الدور التصديري و هل كلها، كما نرى، مكاسب تؤكد فاعلية الدور و إمكانيات الاستفادة من الوضع لتحويل مخرجاته إلى مكاسب سياسية عديدة منها الضغط باتّجاه مراجعة اتّفاقية الشّراكة مع الاتّحاد الأوروبي، تأكيد الدّور الفعال للجزائر في المحيط الجيوسياسي سواء في قضية الصّحراء الغربية أو بالنسبة لأمن المنطقة السّاحلية- الصّحراويـــــة و هي قضايا محورية في الإدراك الجزائري و في السياسية الخارجية للبلاد.
براغماتيا، لا يمكن أداء تلك الأدوار دون تفعيل الدور الاستراتيجي للغاز الجزائري المتكامل مع الأدوار التي يلعبها الغاز الروسي، القطري و الإيراني، على سبيل المثال و هو دور يتعزّز باتحاد الكلمة حول أهمية الغاز في منظومة الطاقة و على كافة الأصعدة من الاستكشاف إلى التصدير، مرورا بالسعر و القضايا الأمنية المرتبطة باستمرار التّدفـــــــــــــق و، طبعا، نحن نتحدث، هنا، عن اتحاد الكلمة بما يخدم مصالح الجزائر في الفضاء الجيوسياسي الذي تغطيه صادرتها خاصة في اتجاه الشمال مع الاتحاد الأوروبي الذي يلعب أغلب من يصله الغاز الجزائري (ايطاليا، فرنسا و اسبانيا إضافة إلى ألمانيا) أدوارا كبيرة على مستوى الناتو (حلف شمال الأطلسي) كما أنهم أعضاء مؤثرون في المفوضية الأوروبية لإعادة التوازن لاتفاقية الشراكة سواء بمراجعتها أو تعديل كفتها لتستفيد منها الجزائر، كما يجب، اقتصاديا و تكنولوجيا، في أحسن الأحوال.
ينسحب، ما تمّ ذكره، على المكانة التّي اكتسبتها الجزائر طاقويا و استراتيجيا ممّا يمكن أن يتعزّز من خلال الاستفادة القصوى من المنتدى لتعظيم تلك المكانة أو تحيُّن كلّ الفرص المتاحة لتعظيمها في المستقبل المنظور و المتوسط وم هو ما تحاول الجزائر أن تقوم من خلال بعض المؤشرات.
يشير المؤشّر الأوّل، بمرجعيّة الحديث الصُّحفي لوزير الطّاقة مع مجلّة الجيش، إلى حجم الاستثمارات التي ستمول بها الجزائر التّنمية في مجالات الطّاقة أو في التّنمية الاقتصادية و بخاصة في السّاحل، مع مالي و النّيجر، ممّا يدلّل على أنّ تلك المكانة الجزائرية لا يمكنها أن تكون مضمونة بدون استقرار السّاحل من خلال ثلاثية التّنمية، السّلـــــــــــــــــــــم و الاستقرار.
ثاني تلك المؤشّرات، الحديث عن خطّ توريد الغاز من نيجيريا نحو أوروبا مرورا بالنّيجر ثمّ الجزائر و هو خطّ استراتيجي تسيطر الجزائر على أوراقه و يمكنها، من خلال منتدى الغاز، بتشجيع بعض المشاركين، خاصة روسيا، للاتفاق على الضغط باتجاه إقرار الانجاز الفعلي بالرغم من بعض اللغط الذي يثار، هنا و هناك، و هو ما يمكنه دحضه من خلال التأكيد على استحالة فتح باب التّنمية على الدُّول السّاحلية الحبيسة (التّي ليس لها سواحل بحرية، مالي و النّيجر، هنا بالتّحديد) لا غنى لها عن خطّ الغاز المقترح من قبل الجزائر الذي يجمع بين تحقيق التّنمية، نشر السّلم و الحفاظ على الاستقرار، في حين أنّ الخطّ الآخر المقترح (يمرّ عبر 13 دولة و مكلف كثيرا إضافة إلى غياب تجربة التّعامل مع سلعة إستراتيجية مثل الغاز أي استحالة الحصول عل عامل الوثوقية و أمن الطاقة، تماما مثل ما تحصّلت عليه الجزائر.
أما ثالث المؤشّرات و أهمّها، على الإطلاق، هو توفير الجزائر للإمكانيات المالية (ملايير من الدُّولارات سيتمُّ استثمارها في قطاع الغاز، وفق تصريحات الوزير عرقاب) الأمنية/الدّفاعية بالملايير من الدولارات، أيضا، التّي رصدتها الجزائر في ميزانية الدّفاع في سبيل توريد آمن للغاز من الحقول الجزائرية و، قريبا، من خطوط الأنابيب التّي ستوصل الغاز النّيجري عبر ثلاثة بلدان وصولا إلى سواحل المتوسط (موانئ التصدير) في اتجاه أوروبا.
من خلال ما تقدّم الحديث عنه (الدّور و المكانة)، فانّ المنتدى فرصة واعدة لدور فعّال و مكانة مؤكّدة يجب على الجزائر أن لا تفوّتها بل السّيطرة على كلّ المخرجات في سبيل إقناع الأطراف المشاركة و الزّبائن، الذّين ولّدت لديهم الوثوقية و أمن الطاقة، بأنّه البلد الذي يمكنه أداء الدّور كما ينبغي مع الحصول، في المقابل، على مكاسب في الملفّات التّي ذكرنا جانبا منها مما يتّصل بالجزائر أو بجوارها الجيوسياسي في المتوسط الغربي، في المنطقة السّاحلية- الصّحراوية أو في العلاقات مع الطرف الاوروبي.